For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.

الجمعة، ٢٨ جمادى الآخرة ١٤٣١ هـ

لماذا نرفض الديمقراطية للاسلاميين و الأحزاب الاسلامية؟

لماذا نرفض الديمقراطية للاسلاميين و الأحزاب الاسلامية؟


ابراهيم القبطي

يطالعنا بين الحين والآخر مقالات لكتّاب مسلمين ، يدعوننا إلى ملء الديمقراطية ، ويتساءلون : لماذا التخوف من وصول الاسلاميين الى سدة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع ؟ .. فهل هذا السؤال دعوة حقة للديمقراطية أم محاولة لابتلاعها ؟(1)

لا نعلم بالتحديد إن كان بعض الكتاب مدعي العلمانية لم يقرأوا التاريخ الاسلامي ، أو أنهم لا يدركون المفهوم الكامل للديمقراطية ؟

أم هي نبرة البراءة التي تخفي تقية إسلامية ، وتظهر المثقفين وكأنما هم أعداء الديمقراطية الذين يقفون بالمرصاد للتيار الاسلامي ، أو أن مثقفي العرب في حالة من غير النضج الديمقراطي لرفضهم وصول الاسلاميين للحكم ، حتى و إن كان عن صناديق الاقتراع. (1)

أنا أميل إلى أنها التقية الإسلامية التي تعرض حقائق منقوصة أما جهلا أو رغبة دفينة في الوصول للحكم وتطبيق الشريعة ، و هذا أنكى

و لتحديد الاسباب التي تجعلنا من الرافضين للأطروحة بأكملها ... نوضح:

أولا: من أساسيات الديمقراطية:

الديمقراطية تعني حكم الشعب Democracy ، حيث Demo مشتق الشعب ، و -cracy مشتق الحكم ، و حكم الشعب مباشرة لا يمكن تنفيذه عمليا ، مما جعل الانظمة و الشعوب الغربية عندما تحدت الحق الإلهي للملوك على مشارف عصر النهضة ، تبتكر فكرة الأحزاب السياسية و البرلمان ، لكي يستطيع الشعب بطريقة غير مباشرة أن يحكم مفسه عن طريق ممثليه في البرلمان ـ بأن يقوّموا النظام الحاكم لما فيه من مصلحة العامة ، و أن يردوا طغيانه إذا طغى، و لعل من أهم المبادئ في هذه العملية الديمقراطية ، أن التعددية الحزبية و السياسية لابد من أن تكون مفتوحة ، و أن يكون للناس القدرة على تغيير الولاءات الحزبية دون أي مشكلة ، فهذا يسمح للأحزاب بالتنافس و القدرة على جذب المزيد من الاتباع ، و إذا لم يوف الحزب متطلبات الجماهير ، فلتتركه الجماهير إلى حزب آخر.

و هذا ما لا يمكن أن يحدث في الأحزاب ذات الأيدولوجية الدينية ، فالانتماء الشعبي هنا ثابت و مبني على أساس الدين ، و لا يمكن تغييره طبقا للواقع السياسي ، وهذا ما يسبب الازمة الآن في العراق مثلا ، فالأحزاب هناك ذات أصول دينية أو عرقية ، و بالتالي كان انتماء الناس لها مبنى على أصول لا يمكن أن تتغير ، فالسني دائما سينتخب الحزب السني ، و الشيعي دائما سينتخب الحزب الشيعي ، و الكردي دائما سينتخب الحزب الكردي ، مهما كان فكر الحزب أو أطروحتة السياسية، و بالتالي فلا يمكن تغيير الولاءات إلا بتغيير العقيدة أو العرق ، و هذا مستحيل ، أو شبه مستحيل ، و بالتالي يصبح نجاح الحزب أو فشله مرتبط بعدد أتباعه من نفس العرق أو الدين ، و تصبح العملية الإنتخابية عملية تناسلية بحتة ، ويصبح الحزب قبيلة ، و بدلا من تعتمد على الفكرة الحزبية و مدى كفاءتها، تتحول إلى التعصب و الانتماء القبلي .

و هذا هو المتوقع من وصول أي حزب اسلامي الى الحكم ، فالناس ستختار الحزب ليس لأنه يملك أجندة سياسية واضحة تحقق مصالح الشعب ، بل لأنه اسلامي و هم مسلمون ، ولا سبيل لتغيير ذلك الانتماء الديني إلا بترك الدين. و هنا تختل الحياة السياسية تماما و تزول العملية الديمقراطية بأكملها ، و هو ما يحدث تدريجيا في العراق.

***

ثانيا: الاسلام = الشريعة الاسلامية

من أهم النقاط التي يتم تجاهلها ، هو أن الاسلام يختلف عن بقية الاديان في العالم ، في أنه يملك شريعة و قانون يدعي العصمة الإلهية ،  يريد الاسلاميون أن يطبقوه على العباد من المسلمين و غير المسلمين ، و المشاكل التي تحملها الشريعة لا تتفق و الديمقراطية ، فمن أهم الأهداف للديمقراطية هو القدرة على تعديل القوانين و الشرائع بما يتفق و مصلحة الشعب عبر نواب البرلمان ، و في حالة الشريعة التي تدعي المصدر الالهي فمن هو القادر على المساس بها ، أو الاقتراب ، أو التعديل . ومن المتوقع أن أى حزب اسلامي ، سوف يفرض الشريعة الاسلامية عودة للأصول ، و ما يتبع ذلك من السؤال المنطقي ، و ماذا عن غير المسلمين من أقليات دينية و عرقية؟ ثم هل يمكن أن نفتح فمنا لنقول أن هذا التشريع "الإلهي" يحتاج إلى تعديل؟ و ألا يجر هذا حرب أهلية.

***

ثالثا: لا ديمقراطية في الاسلام

الاسلام كعقيدة تملك تشريع إلهى مزعوم ، لا يمكن تغيره برفض أو موافقة الشعب ، و الحاكم الاسلامي على مر العصور منذ أيام محمد و حتى يومنا هذا يحكم بلا معارضة ، و إن وجدت المعارضة ، فمصيرها السجون أو القتل ، و للاسلاميين أسوة حسنة في رسول الاسلام الذي اغتال كل معارضيه من الشعراء ، فقتل كعب بن الأشرف (سيرة ابن هشام ج2: 56-58) ، وكما قتل سلام بن أبي الحقيق (سيرة ابن هشام ج2: 274-276) ، كذلك عندما اغتال أم قرفة السيدة المسنة (المغازي ج2: 564) ، فالمعارض للإسلاميين هو معارض لشرع الله و للاسلام ، و الحكم الاسلامي معروف في معارضي الله.

و لعل ورقة التين التي يستر بها الاسلاميون عريهم الديمقراطي هو مبدأ الشورى الاسلامية (آل عمران: 159، الشورى :38) ، و لكن الذي لم تحدده الشريعة أو النص القرآني هو كم عدد المستشاريين ؟

وهل هم ممثلون للشعب أم هم من أولي الأمر ومن بطانة الخليفة ؟

بل لم تذكر النصوص الإسلامية هل الخليفة أو الأمام ملزم أن يأخذ برأي ممثلي الشعب أم أن رأيهم استشاري فقط ؟

ومن التاريخ الاسلامي ليس هناك مثال واحد على حكم ديقراطي مبني على أساس من الشريعة أو السنة أو القرآن ،

مما يجعل الشورى الإسلامية أقرب ما تكون كمجلس الشورى المصري الحالى الذي لا يملك القدرة التشريعية .

مما سبق يتضح أن الديمقراطية فكرة علمانية لا يجوز فيها التحزب بالدين أو العرق ، و الاسلام دين لا يقبل التعددية ، فكيف يمكن أن تملك حرية الاختيار في حالة الحزب الواحد . إن الاسلاميين و الاسلام الذي يمثلونه لا يمكن ان يتفق و الديمقراطية ، و التاريخ يؤكد لنا أنهم ليسوا من أهل الثقة و إنما أهل تقية ، يظهرون الرغبة في ممارسة الديمقراطية طالما كانت هذه هي الوسيلة للوصول إلى الحكم ، و عند الوصول إلى الحكم فعلى الديمقراطية السلام.

أخيرا أحب ان أنوه أن الديمقراطية ليست هي صناديق الاقتراع فقط ، فلابد من الحزب أن يكون مريدا لممارسة اللعبة السياسية بقوانين الديمقراطية إلى النهاية ، ثم أختم مقالتي بسؤال و أترك لفطنة القارئ الأجابة :

ماذا بعد أن اكتشف الإيرانيون المستنيرون فساد الحكم الاسلامي؟

هل استطاعوا أن يزيلوه بصناديق الاقتراع ويأتوا بالبديل؟

وهل سيستطيع العراقيون أو الفلسطينيون أن يغيروا مقدراتهم عندما يفيقوا من خدر النعرة الاسلامية ؟

و يغيروا حكم الله إلى الحكم المدني؟

لن يحدث هذا بدون إراقة للدماء ... فالتاريخ يؤكد لنا أنه إذا ما وصل الاسلام إلى الحكم فلن يزول إلا على يد طاغية جديد مثلما ما فعل كمال أتاتورك بقبضة حديدية في عام 1924م عندما أزال الخلافة الاسلامية .. و ياللعجب ، لم يستعمل صناديق الاقتراع . فلا تحمل عزيزي المسلم المخدرعلى عاتقك الدفاع عن الديمقراطية ، وتتهم العلمانيين باللاديمقراطية ، فما تشتهيه هو باطل و محاولة لتشويه حقيقتتين ، حقيقة الديمقراطية البيضاء و حقيقة الاسلام الدموية الحمراء.

--------------------

(1) هذه المقالة نسخة محدثة من مقالة قديمة نشرت على الحوار المتمدن عام 2005

أثبت التاريخ صدقها بعد نجاح حماس في الوصول للحكم في فلسطين