For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.

الأربعاء، ١٣ ربيع الأول ١٤٣٢ هـ

الأقباط والأمل في علمانية مصرية

الأقباط والأمل في علمانية مصرية

clip_image002

بقلم ابراهيم القبطي

أهم ما يميز هذه الفترة الانتقالية في مصر هو اللايقين الذي يسري في عقول كل المصريين بكافة طوائفهم

البعض ينادي بإقالة مبارك الفورية ومحاكمته على ثلاثين عاما من الفساد

والبعض ينادي ببقائه لفترة إنتقالية حتى سبتمبر 2011 حتى يعبر الشعب المصري هذه الفترة الإنتقالية (1)

بل أن هناك البعض الذي طالب باستمرار مبارك حتى وفاته (وهم أقلية)

والبعض بدأ في المطالبة بتقسيم الكعكة السياسية ، وبدأ في التفاوض مع الحكومة الانتقالية

والبعض يحاول القفز على الثورة الشبابية وإلباسها رداء الدين كما تحاول قناة الجزيرة جاهدة في تأييد ضمني للإخوان المسلمين .

 

أما الأقباط فقد انقسمت أراءهم بين كل ألوان الطيف وتوزعوا على كل الأراء وانقسموا سياسيا فيما بينهم

ولكن التيارات الأساسية الثلاثة بين الأقباط هم:

1- التيار الشبابي الكبير الذي شارك في المظاهرات وأظهر روح الوطن الواحد واعلن انتمائه للوطن ورغبته في التخلص من الفساد.

2- وتيار قيادات الكنيسة والذي خرج على استحياء وفي تخبط سياسي ، بين مؤيد لمبارك تارة ومؤيد للتغيير تارة ، ولكنهم مازالوا يتعاملون مع بقية الأقباط بروح الوصاية على الأطفال ، وخرج بعضهم ينصح الأقباط بعدم المشاركة في المظاهرات خوفا عليهم .

3- والتيار الاقتصادي الذي يمثله بعض الأقباط العاملين في قطاع السياحة ، والذين رأوا في ثورة الشباب مزيدا من الخسائر والبطالة على مصادر رزقهم .

ووسط كل هذا التخبط والعشوائية كان لابد من وقفة لتحديد ما هي أنسب الطرق لخروج مصر أولا والأقباط ثانيا من محنة اللايقين.

------------

كيف إذن يمكن للأقباط أن يتحدوا ويخرجوا من تفككهم و يتعاملوا بيقظة ووطنية مع الوضع الراهن

 

أولا : على الأقباط جميعا ان يكفوا عن ممارسة لعبة التخوين والشك في الجميع ، فالأقباط أدمنوا على مر الزمن الخيار بين حكومة فاسدة أو حكومة إسلامية متطرفة ، ولما ظهر حل ثالث علماني شعبي ، راحوا يسقطون عليه إما طابع الفساد أو البصمة الإسلامية (2) ، أما الثورة الحالية فهي ثورة صافية–حتى هذه اللحظة – بلا لون ديني أو سياسي معين  ، وتحديد دور الأقباط فيها  يتوقف على فعلهم السياسي ومشاركتهم الإيجابية ، فلو ساهموا بايجابية في هذه الحركة السياسية سوف يشاركوا في تلوين الثورة بصبغة العلمانية والحرية ، أما لو وقفوا موقف المتفرج خوفا من هذه الفئة أو تلك الحركة ، فسيصبح مصيرهم في يد آخرين ممن يمتلكون الايجابية السياسية الكافية ...

 

ثانيا : لابد للقيادات الكنسية أن تلتزم الصمت (3) ، وتتوقف عن إسداء النصائح السياسية للأقباط ، وتتوقف أيضا عن لعب دور الوصي السياسي على الأقباط ، وقد أثبت الكثير منهم أنه يجهل أبسط قواعد السياسة . لأن من خرج من دائرة اختصاصه أثار المزيد من الفوضى . دورهم الروحي هو الدور الاول والأخير لقيادة الشعب القبطي ... ولا شئ غيره. ولو أردات القيادات الكنسية أن تقوم بدور إيجابي ، يمكن أن يكون بالدعم المادي لكل من فقد عمله من الأقباط في الفترة الأخيرة ، وبهذا توظف الكنيسة اموال التبرعات (4) في طريقها الصحيح ، وهو خدمة المحتاج .

 

ثالثا : يسارع الأقباط في تعيين من يمثلهم سياسيا ، وقد ظهر على السطح بالفعل شخصان قبطيان من داخل مصر ، هما نجيب ساويروس ومنير فخرى عبد النور كعضوين في لجنة الحكماء (5) يمكن أن يكونا نواة لحضور سياسي قبطي حقيقي في الشارع المصري. ويمكن أن ينضم لهم النائبة السابقة "جورجيت قليني" ، والنائبة السابقة "منى مكرم عبيد" ، وأن يتم الدعم القانوني لهذه الحركة بمساعدة المستشار "نجيب جبرائيل" والمحامي البارز "ممدوح نخلة" وبعض المحامين الشباب مما أثبتوا شجاعة فائقة في السنوات الأخيرة ، مثل المحامي الشاب " شريف رمزي" (6) وغيرهم . وسوف تكون هذه المشاركة السياسية فرصة جيدة لخلع رادء الوصاية الكنسية على السياسة ، والتفات قيادات الكنيسة إلى دورهم الروحي والتعليمي واللاهوتي.

 

رابعا : أن يتخلى أقباط المهجر عن تفككهم ، وصراعاتهم المهينة ، وتخوين بعضهم البعض ، وأن يتحركوا في أوروبا والأمريكتين واستراليا لتنظيم ودعم القيادات القبطية السياسية البارزة داخل مصر ، وهذا الدعم يكون بالتغطية الاعلامية وبالأموال ، لتنظيم حركة قبطية قوية منظمة داخل مصر. أما لو استمروا في التفكك والتشرزم ، فدورهم كمصريين أولا وكأقباط ثانيا سوف يتم تهميشه مع الزمن. والأفضل لهم عندئذٍ أن يتجنسوا بجنسيات دولهم المضيفة وينسوا أصولهم القبطية المصرية ، فهذا أفضل لهم ولأولادهم .

 

لو بدأ الأقباط في التعامل مع الواقع الحالي بوعي دون تشتيت أو تفتيش في نوايا الأخر ، سوف تتحول مصر بوجودهم إلى دولة علمانية ديمقراطية حقيقية ، لأنهم يمثلون أكبر أقلية في المجتمع المصري ، ونوال حقوقهم ومساواتهم مع بقية المواطنين المصرين ، هو الدعم الحقيقي لانتقال مصر من حكم العسكر أو حكم التيارات الدينية إلى حكم الشعب المصري بكل طوائفه لنفسه.

 

يمكننا أن ندرك أهمية الدور القبطي بالنظر إلى التجربة التركية ، فقد نجح كمال أتاتورك في علمنة تركيا عام 1924 ، ولكن نجاحه بدأ ينهار في الفترة الاخيرة ، لأن تركيا لا توجد فيها أي أقليات دينية يمكن أن تحقق توازن سياسي يحافظ على العلمانية (7) . أما في مصر ، فالأقباط يمثلون اكبر أقلية دينية ، والتي يمكن أن تحافظ على التوازن السياسي وتذرع بذور العلمانية في المجتمع المصري ، بل أن وجود الأقباط يمكن أن يمثل غطاء سياسيا حقيقيا ينضوي تحته الكثير من الأقليات الأخرى مثل البهائية واليهودية والشيعية والنوبيون والملحدون ...

 

وبعد أن ناقشت بعض الاقتراحات لتفعيل الدور القبطي ، أؤكد أن هذا التفعيل ليس هدفه مصلحة الأقباط فقط دون الوطن بكامله ، لأن مفتاح الحل لكل المصريين (ومنهم الأقباط) في هذه المرحلة الشائكة  هو مراعاة "المصلحة" قبل "الايدلوجية" ، فلو بدأت اتهامات التخوين لكل مخالف في الفكر أو الدين ، أو التهويل لدور أيا من الفئات السياسية أو الدينية كما يهول البعض من تأثير الأخوان المسلمين، أو التهميش دور بعض القوى المحركة وأولها قوى الشباب التي تم تهميشها لفترات طويلة ، لن تفلح في الخروج بالشعب من المأزق الراهن.

 

ومصلحة الوطن ليست هي مصلحة الإسلام او المسيحية أو البهائية أو اليهودية ، وليست هي مصلحة الحزب الوطني أو الوفد أو التجمع او الحزب الناصري ، أو أي أيدولوجية دينية أو سياسية أخرى ، بل هي مجموع مصالح المواطنين الأفراد بكل انتماءاتهم الدينية أو السياسية ، ولهذا كانت العلمانية – بحيادها الديني – (8) هي الحل الوحيد لخروج مصر من عصور الظلام إلى عصر الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان .

 

المصلحة تخص بالأساس الإنسان المصري في أن يتم التعامل معه كإنسان له حقوق أساسية لا يمكن المساس بها ، والمصلحة تقتضي ألا يتم تهميش أي من الأقليات على حساب أقليات أخرى ، أو  لمصلحة أغلبية بعينها ، حتى لا تتحول مصر إلى ساحة لحرب أهلية او طائفية أو دينية .

 

تفعيل الحركة القبطية السياسية الآن واجب وطني قبل أن يكون واجب قبطي ، قد يحدد مصير مصر في الألفية الثالثة ، إما أن يترك الأقباط زمام الأمور فتتحول مصر محلا لصراعات لا تنتهي قد تسفر عن حروب أهلية تفكك مصر لدويلات طائفية ، أو أن يمارس الأقباط حقوقهم السياسية ليساهموا في تكوين دولة واحدة مصرية قوية تستمد قوتها من حرية مواطنيها وكرامتهم ، القبطي والمسلم والبهائي واليهودي والنوبي والشيعي والملحد ...

-------------

الهوامش:

(1) المحصلة السياسية لبقاء مبارك المؤقت أو عزلة الفوري تكاد تتساوى ، لأن مبارك كرئيس انتهى دوره الحقيقي منذ إعلانه عدم الترشح لفترة رئاسية قادمة ، ولكن الأهم هو أن تكون الحكومة الانتقالية على مستوى الثقة ، للمزيد راجع مقالي

كيف نحاكم عز والعدلي ، ونترك آل مبارك ؟

(2) لابد أن يتغلب الأقباط على خوفهم من فزّاعة الأخوان المسلمين والتيارات الدينية الاسلامية ، التي خلقها نظام مبارك الفاسد ، لأسباب كثيرة أهمها أن التيارات الدينية الاسلامية لم تكن لها أي دور في القيام بالثورة الشبابية ، ولم تكن محركا لها ، ولم تقوم بقيادتها ... وأي محاولات من الاخوان أو من يماثلهم لتصوير الحركة على أنها دينية ، فهو تهويل ومبالغة لحجمهم الحقيقي الذي أظهره الشارع.

(3) وان اراد احدهم أن يعبر كمواطن عن رأيه السياسي ، فمرحبا به ، ولكن رأيه لابد أن يمثله هو فقط ولا يمثل عموم الأقباط

(4) والتي يصرف منها في الكثير من الأحيان ببذخ على ديكورات الكنائس والسيارات الفخمة والاحتفالات الضخمة

(5) التي تقوم بدور الوساطة بين الحكومة الانتقالية والقوى الشعبية

(6) مراسل موقع الأقباط الأحرار

(7) الأقلية العرقية الكردية ظلت بلا تأثير حقيقي في الحفاظ على العلمانية التركية ، لأنها ظلت تنادي بالاتفصال عن دولة تركيا مما أفقدها الحضور السياسي كجزء من البيت التركي

(8) راجع مقالي السابق : العلمانية أم الحرية