For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.

الجمعة، ٢٧ مارس ٢٠٠٩

الإسلام هو الإشكال وليس الحل

الإسلام هو الإشكال وليس الحل

sam-the-butcher

كامل النجار

لا شك أن كل من يتبع ديناً أو مذهباً يعتبر أن دينه أو مذهبه هو الأفضل وإلا لما اتبعه. وهناك ما لا يقل عن أربعين ديناً ومذهبا في عالم اليوم نذكر منها على سبيل المثال: اليهودية، المسيحية، الإسلام، البوذية، الكنفوشية، الهندوسية، الشنتو، السيخ، الأيزدية، الدروز (أهل التوحيد)، الذرادشتية، البهائية والرومني (الغجر). أغلب هذه الأديان سبقت الإسلام في الظهور، وجميعها تشترك في ثلاثة أشياء:


1- إقامة الشعائر الخاصة بالدين Rituals

2- مجموعة قوانين أخلاقية أو شريعة Code of ethics

3- فلسفة تشرح معنى الحياة Philosophy of life

فلا أعلم بأي شيء يتفوق الإسلام على الأديان الأخرى وبأي حق يصبح نبيه أكرم خلق الله جميعاً؟

المهم أن الأديان التي سبقت الإسلام، باستثناء اليهودية، لم تقم باحتكار الحقيقة وعاش أتباعها في وئام مع الطبيعة ومع المخالفين لهم في المعتقد. وكانت، وما زالت فلسفتهم: عش واترك الآخر يعيش، أوما كما يقول الناطقون بالإنكليزية: Live and let live. وعندما جاءت اليهودية، احتكر اليهود الإله أو احتكر الإله اليهود وجعلهم شعبه المختار وتجاهل الآخرين، أو هكذا زعم اليهود. ومن وقتها انتهت مقولة: عش واترك غيرك يعيش. ورغم أن اليهودية لم تكن ديانة تبشيرية، بل كانت خاصة فقط ببني إسرائيل، إلا أن إله التوراة فرض على اليهود قتل المخالفين وتدمير معابدهم حتى لا يعبد الناس إلهاً غيره. إنه جنون العظمة.

وجاء الإسلام هجيناً بين اليهودية والوثنية، واختار من اليهودية أبشع قوانينها ومن الوثنية عباداتها وعاداتها من تعدد الأزواج والطلاق الثلاثي والحج وتقبيل الأحجار والأضاحي. وبعد أن استتب له الأمر، خطا إلهه خطوة أبعد من خطوة "يهوه" وقال إنه إله جميع البشر وبالتالي أصبح فرضاً على جميع البشر عبادة إله الإسلام فقط، لا غير، وأصبح كل دين غير الإسلام لاغياً. وعليه احتكر المسلمون الحقيقة الكاملة وسفّهوا معتقدات الغير. وكلما تقادم الزمن كلما زاد اعتداد المسلمين بأنفسهم وبدينهم الذي لا يقبل الله ديناً غيره.

وانطلاقاً من هذه العنجهية كتب أحدهم مقالاً (1)، تحت عنوان "هذا الكتاب الجديد أسوأ من الرسومات". قال الكاتب (اسم الكتاب وترجمته "لماذا تركنا الإسلام: مسلمون سابقون يتحدثون بصراحة". بداية، غلاف الكتاب صورة تخيلية مفترضة ممزقة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ثانياً، الكتاب يتضمن اعترافات وأحاديث لمن يزعمون أنهم كانوا مسلمين ولكنهم قرروا ترك الإسلام مثيرين تساؤلات حول الإسلام وحول القرآن الكريم. ثالثاً الكتاب يحتوي على عبارات مسيئة جداً إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.) انتهى

ومن البديهي جداً أن أي شخص يترك الإسلام أو المسيحية أو أي معتقد آخر، لا يتركه اعتباطاً وإنما يتركه بعد أن يكون قد أيقن أن مجموعة قوانينه الأخلاقية لا تتفق وأخلاقيات ذلك الشخص، ولذلك ترك الإسلام أو غيره. والشخص الذي يترك ديناً ويعتنق آخراً أو يصبح لا دينياً، لا بد له أن ينفس عن نفسه ذلك الضيق والحرج الذي كان يشعر به قبل أن يترك دينه. ولا غضاضة في ذلك، رغم أن التنفيس يستدعي ذم ما يتركه الإنسان حتى يبرر لنفسه ترك ذلك المعتقد. فليس من المعقول أن يترك أي شخص ديناً ما ثم يمتدحه. ونقد الرسول محمد لا يعني بالضرورة الإساءة له، وربما لا يراه الناقد إساءة إنما إقراراً للحقائق. وكما قال ماركس: نقد الدين هو أساس النقد. ولكن لأن كاتب المقال المذكور يؤمن بأن تارك الإسلام يجب أن يُقتل، فهو يضيق صدراً بهؤلاء الرجال والنساء الذين تركوا الإسلام وقالوا رأيهم فيه. فهذا الرأي بالنسبة للكاتب يمثل تحدياً للمسلمين أكبر من تحدي الرسوم التي قالوا إنها مسيئة لرسولهم. ولا يبدو أن الكاتب قد قرأ الكتاب لأنه من غير المحتمل أن يكون الكتاب قد دخل المملكة، ومع ذلك يقول الكاتب إن الكتاب يحتوي على عبارات مسيئة للنبي. ولكن المسلم لا يحتاج أن يقرأ الكتاب حتى يحكم عليه. فرؤية عنوان الكتاب تكفي.

ثم يسأل كاتب المقال (هل أصبحت الدول الإسلامية ضعيفة الإرادة لدرجة أنه أصبح بإمكان أي شخص الإساءة لديننا وكتابنا ونبينا ونحن لا حول ولا قوة؟) انتهى.

وبما أن فقهاء بغداد قد أغلقوا باب الاجتهاد في القرن الثاني عشر الميلادي، فأن الكاتب يريد للدول الإسلامية أن تغلق باب نقد الدين الإسلامي في بلاد الغرب. وطبعاً ليس من العدل أن نلوم شخصاً يعيش في مملكة آل سعود تحت سيطرة آل عبد الوهاب وسياط المطوعين، على عدم استيعابه ما يسمى في الغرب ب "حرية التعبير". فالذي ترك الإسلام أو لم يتركه يستطيع أن يكتب رأيه بكل حرية، وإذا لم نوافق على ما يقول فنستطيع أن نرد عليه ونفند كتابه. فالموضوع لا يستدعي ضعفاً أو قوة من جانب الدول الإسلامية

وبما أن الإسلام، في نظر المسلمين، هو الدين الوحيد الصحيح وما غيره منسوخ، يجوز للمسلمين الإساءة لكل الأديان ولأتباعها، ولكن لا يحق لهؤلاء الأتباع نقد الإسلام، لأن ذلك يعتبر إهانة بالغة لحساسية المسلمين المفرطة. فعندما دعت بعض منظمات المجتمع المصري إلى عقد ندوة في دار الصحافة لمناقشة مشروع مناهضة التمييز الديني خاصة ضد البهائيين، اعترض جمال عبد الرحيم مساعد الأمين العام لنقابة الصحفيين على الاجتماع وقال (إنه يرفض رفضا قاطعا أن تصبح نقابة الصحفيين منبرا للتبشير بالخرافات والخزعبلات للحركة البهائية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل. ثم شن هجوما على نقابة الصحفيين، قائلا إنه من العيب والعار عليها أن تسعى لتأجير قاعاتها لكل من هب ودب من أصحاب الفكر المنحرف دينيا من أجل تحقيق مكاسب مالية) انتهى (2).

فيجوز إذاً للسيد جمال عبد الرحيم أن يتجاهل مشاعر البهائيين ويصف معتقداتهم بأنها خرافات وخزعبلات. ولا يجوز طبعاً أن يقول البهائي إن الإسلام خزعبلات وخرافات لأن ذلك يجرح مشاعر المسلمين.

وعندما كتب دكتور محمد عمارة كتابه "فتنة التكفير" وطبعته وزارة الأوقاف المصرية على نفقتها، وقال فيه إن المسيحيين يتساوون مع الزنادقة والمجوس وعبدة الأوثان، وإن دماءهم مستباحة، لم يتحرك الجامع الأزهر أو أي شيخ إسلامي ليدافع عن المسيحيين. وعندما ثارت ثائرة الأقباط ورفعوا دعاوى على د. عمارة، قال الدكتور إن الذنب ليس ذنبه لأنه نقل ذلك من كتب حجة الإسلام الغزالي، وناقل الكفر ليس بكافر. فإهانة المسيحيين، سواء من جانب د. عمارة أو من جانب الغزالي، مباحة في الإسلام لأن مشاعر المسيحيين ليست بنفس أهمية مشاعر المسلمين. ولكننا نسأل: ما دام ناقل الكفر ليس كافراً، لماذا أحرق المسلمون الكنائس وقتلوا المسيحيين عندما نقل البابا بنيدكت السادس عشر من محاورة الإمبراطور عمانيويل مع العالم المسلم الفارسي الأصل؟

والجواب يكمن في أن القاعدة الإسلامية هي إنه يحق لدكتور محمد عمارة وللغزالي ما لا يحق للبابا المسيحي.

يقول الشيخ المصري د. العوا في كتابه "للدين والوطن" (لا يجوز لرجال الدين المسيحي في المجتمع الذي غالبيته من المسلمين أن يناقشوا قضايا الدين الإسلامي وقضايا الفقه الإسلامي وقضايا الشريعة الإسلامية مناقشة من يقبل ما يعجبه ويرفض ما لا يوافق علي هواه ... "فما كان فرضا في دين الإسلام فلا يسوغ لأهل الكتاب من الأديان مناقشته مناقشة المتشككين في صحة العمل به أو ضرورة الإلتزام بما تقرر منه، وألا كان هذا تجريحا للإسلام يوغر القلوب) (3). فالمسلمون يجوز لهم تشريح الكتاب المقدس للمسيحيين ورفضه جملةً وتفصيلاً لأنه محرّف، أما المسيحيون فلا يجوز لهم مناقشة الإسلام في بلد مثل مصر غالبيته من المسلمين. وقد شرّح ابن قيم الجوزية المسيحية في كتابه "هداية الحيارى" عندما قال عن حرب محمد لأمة المسيح (ثم قاتلها واذلها واخرجها من ديارها وضرب عليها الجزية ، واخبر انها من أهل الجحيم خالدة مخلدة لا يغفر الله لها وانها شر من الحمير ، بل هي شر الدواب عند الله) (4). فكل هذا القدح والذم يجب أن يتغاضى عنه المسيحيون ولا يسمحوا له أن يوغر قلوبهم لأن مشاعرهم أقل من مشاعر المسلمين وقلوبهم ليست صافيةً كقلوب المسلمين. ويجوز للدكتور زغلول النجار أن يقول في حوار مع صحيفة "القاهرة" لسان حال وزارة الثقافة المصرية، (5) (لا توجد مقارنة بين نزاهة القرآن وبين هزاءة ورداءة ما يسمى بالكتاب المقدس، فهو مثل الكشكول جمعه اليهود للنصارى، فهو كتاب مليء بالأخطاء العلمية والأخطاء الدينية والأخطاء اللغوية، فلا يقارن أبداً بالقرآن الكريم، وهم أنفسهم لا يعتبرون أن هذا نص سماوي بل نصوص بشرية تعبر عن رسالات نبوية سابق) (6).

ويجوز للمستشار المسلم المصري السيد نوفل أن يحكم على راعي الكنيسة القبطية، البابا شنودة، بمراجعة قوانين الزواج والطلاق المعمول بها في ذلك الدين ويفرض علي البابا منح السيد عاطف كيرلس تصريحاً للزواج مرة أخرى بعد أن طلق زوجته الأولي، مع أن شريعة الكنيسة لا تقر الزواج مرة أخرى. ولكن لا يحق للبابا شنودة إبداء الرأي في الشريعة الإسلامية، كما يقول د. العوا.

وليت المسلمين اكتفوا بإعلاء دينهم فوق كل الأديان الأخرى، ولكنهم يطالبون العالم الآن بالاعتراف بأن ممارسة الجنس مع الأطفال وضربهم واستغلالهم جنسياً بنشر صورهم العارية على الانترنت من أجل الكسب المالي، وتجاهل حقوق الطفل الذي يولد خارج مؤسسة الزواج، كلها أشياء محمودة ويجب على المصريين وغيرهم عدم تعديل قوانينهم لحماية هؤلاء الأطفال. فقد حاولت الحكومة المصرية أخيراً وبعد صمت دام عشرات السنين أن تُدخل بعض التعديلات على قانون حماية الطفولة، فهب حماة دين الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لمنع الحكومة من تمرير هذه التعديلات. (فقد بدأ البرلمان المصري مناقشة مشروع قانون مقدم من الحكومة يمنع توثيق الزواج الأقل من 18 سنة ويجرم ختان الإناث، واستغلال الأطفال جنسياً بأي طريقة مباشرة أو عبر وسائل النشر والبث العادي والالكتروني، ويعطي الحق في تسجيل المولود المجهول الأب، باسم والدته) (7)

فكل شخص لدية ذرة من الإنسانية لابد أن يعتبر أن هذه التعديلات تمثل حجر الأساس في حماية إنسانية الأطفال المصريين، ولكن نواب الإخوان المسلمين بالبرلمان المصري هبوا هبة رجل واحد لإسقاط هذه التعديلات في القانون لأنها تتعارض والشريعة الإسلامية السمحة. شريعة تبيح نكاح الطفلة في سن التاسعة، وتجيز حرمانها من المتعة الجنسية بتقطيع عضوها التناسلي لأن الرسول قال "اخفضي ولا تُنهكي"، وشريعة تبيح إلغاء وجود الطفل الذي ولد سفاحاً لأن أحد المسلمين قد غرر بأمه فحملت سفاحاً، ولا ذنب لذلك الطفل فيما حدث، ولكن الرسول قال "الولد للفراش وللعاهر الحجر". ومعنى هذا أن الطفل يتبع للأب وتُرجم أمه، ولكن عندما يكون الأب غير معروف، تُلغي الشريعة وجود ذلك الطفل فلا يُسجل باسم والدته ولا يكون لديه شهادة ميلاد ولا يستطيع دخول المدارس لأنه يفتقد الأوراق الرسمية. وباختصار يكون ذلك الطفل لا وجود له في القانون. وهذا مما يُسعد نواب الإخوان المسلمين لأن مهمتهم في البرلمان المصري هي حماية الشريعة السمحة وليذهب أطفال مصر إلى الجحيم.

ولا يكتفي المسلمون بفرض إرادتهم على الأقليات غير المسلمة في بلدانهم، فهم يريدون الآن فرض إرادتهم على بلاد الكفار في جميع أنحاء العالم. فقد أصدر سيف الإسلام القذافي تحذيراً إلى السيد برلسكوني، رئيس وزراء إيطاليا المنتخب حديثاً، أن يُلغي تعيين أحد الوزراء الذي كان قد لبس قميصاً قبل عامين مطبوعاً على صدره أحد صور الرسومات المسيئة لنبي الإسلام، وإلا سوف تقطع ليبيا الامدادات البترولية عن إيطاليا. ورغم أن ذلك الوزير كان قد استقال من الحكومة السابقة بسبب هذا القميص، فإن عقابه لابد أن يكون أبدياً ويُمنع من تولي أي منصب وزاري مدى الحياة لأنه تجرأ على إساءة خاتم الأنبياء.

ولو نظرنا إلى العالم اليوم من الشيشنيا في الشرق إلى المغرب في الغرب، مروراً بالفلبين وإندونيسيا والعراق والصومال والسودان والجزائر وباكستان وأفغانستان وغيرها من البلاد، فلا نجد قتلاً ودماراً وتفجيراً إلا في البلاد الإسلامية أو البلاد الأوربية التي سمحت للمسلمين بحق اللجوء السياسي. فلو زال الإسلام من وجه الأرض لزالت كل هذه الحروب وسفك الدماء. فالإسلام ليس هو الحل، كما يقول مرشحو الأحزاب الإسلامية، وإنما هو الإشكال.

--------------

الهوامش والمراجع

(1) في صحيفة "الوطن" السعودية بتاريخ 22/4/ 2008

(2) صحيفة "المصريون" 2/4/2008

(3) مجدي خليل، إيلاف 9/7/2007

(4) هداية الحيارى ص 19

(5) صحيفة "القاهرة  بتاريخ 27/9/2005

(6) موقع الأقباط متحدون http://www.coptsunited.com

(7) الشرق الأوسط 23 أبريل 2008

الصلاة على محمد

الصلاة على محمد

muslim_kids_praying

كامل النجار

المسلمون مغرمون بادعاء أن الإسلام يحترم العقل وأن الله عُرف بالعقل. ولكن أفعالهم لا توحي بأي أهمية للعقل. فمثلاً، لا يُذكر اسم محمد بن عبد الله إلا ويردد المسلم "صلى الله عليه وسلم" كما تردد الببغاء بعض الكلمات المحفوظة. ويبلغ هذا الترديد حد السخف في بعض الحالات، فقد ردد أحدهم هذه العبارة ثلاث عشرة مرة في صفحة واحدة من كتابه. فما هي الصلاة التي يطلبها المسلمون لنبيهم؟


تقول الموسوعة الكويتية (الصلاة أصلها في اللغة: الدعاء، لقوله تعالى "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكنٌ لهم" أي أدع لهم. وفي الحديث "إذا دُعيّ أحدكم {للطعام} فليجب فإن كان صائماً فليصلِ، وإن كان مفطراً فليطعم" أي إن كان صائماً فليدعُ لأرباب الطعام) انتهى. فإذاً الصلاة هي الدعاء وهي كذلك الركوع والسجود.

و الكلمة مأخوذة من الكلمة الآرامية (ص ل ا) ومعناها ركع وانحنى. يقول لسان العرب (الصلاة هي الدعاء والاستغفار. وقال أهل اللغة: الصلاة أصلها من الصلوين وهما مكتنفا الذنب من الناقة وغيرها، وأول موصل الفخذين من الإنسان، فكأنما هو مكتنفا العصعص. والمصّلي من الخيل: الذي يجيء بعد السابق (أي الثاني) لأن رأسه يلي صلا (أي مؤخرة) ظهر الحصان المتقدم) انتهى. ويمكن أن يقال نفس الشيء عن المصلين في صلاة الجماعة إذ يلي رأس كل مصلي مؤخرة الشخص الذي يسجد أمامه.

ويقول القرطبي في تفسيره (أمر الله تعالى عباده بالصلاة على نبيه محمد دون أنبيائه، تشريفاً له، ولا خلاف أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة، وفي كل حين من الواجبات وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها إلا من لا خير فيه. فإن قلت الصلاة على رسول الله واجبة أم مندوب إليها؟ قلت: بل واجبة. وقد اختلفوا في حال وجوبها، فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره. وفي الحديث " من ذُكرت عنده فلم يصل عليّ فدخل النار فأبعده الله") انتهى.

فالصلاة، رغم ما فيها من تعظيم للإله، هي دعاء يدعو به المصلي ربه أن يرحمه أو يرحم شخصاً آخراً. والصلاة كشعيرة من شعائر االعبادة كانت معروفة للناس منذ أزمان غابرة. والمجتمعات القديمة كلها من آكاديين وبابليين وسومريين وقدماء المصريين والهنود الحمر وغيرهم كانت لهم صلواتهم الخاصة التي يتقربون بها إلى آلهتهم. والقرآن يقول عن عرب ما قبل الإسلام (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصديةً فذوقوا العذاب بما كنتم تكذبون) (الأنفال 35). فالصلاة إذاً ليست عبادة إسلامية خاصة وليس هناك أي سبب يجعل الله يحصرها على محمد دون بقية الأنبياء.

وهناك أنواع من الصلاة ذكرها القرآن ولكنه لم يبين لنا كيفيتها، (ألم تر إلى الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) (النور 41). فصلاة الطير حتماً ليس فيها ركوع وسجود. وليس بها دعاء لأن الطيور لا تعرف كلمات الدعاء. يقول ابن الإعرابي (الصلاة من الله هي الرحمة، ومن المخلوقين – الملائكة والإنس والجن- القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح، والصلاة من الطير والهوام هي التسبيح) انتهى.

ولا نعلم الطريقة التي عرف بها ابن الإعرابي أن صلاة الملائكة والجن هي القيام الركوع والسجود وصلاة الطير هي التسبيح. فابن العربي حتماً لم ير الملائكة والجن وهم يركعون أو يسجدون، ولم يكن يفهم لغة الطير والهوام حتى يؤكد لنا أن صلاتهم هي التسبيح. لا شك إنه الخيال الخصب لرجالات الدين.

و أنواع صلاة المسلم كثيرة ومتعددة، فهو يصلي على الميت ويصلي خوفاً عندما يحدث الكسوف أو الخسوف، ويصلي طلباً واستجداء للماء عندما تشح السماء بأمطارها ويصلي صلاة الاستخارة طالباً من الله أن يختار له القرار الصائب. وكل هذه الصلوات ماهي إلا دعاء لله ليستجيب إلى طلباتهم، وكيفية هذه الصلوات معروفة.

ولكن كيف يصلون على النبي؟

فالمسلم حتما لا يقرأ القرآن ولا يركع عندما يصلي على النبي، فهل صلاته هي أن يدعو الله أن يرحم محمد ويدخله الجنة؟ فمحمد قد أخبرهم أن الله قد اختاره من جميع إبناء آدم ليكون رسوله المفضل وأعطاه الحق في أن يبشر بعض الناس بالجنة، فبشر العشرة المعروفين بالجنة. وقال لأصحابه إن حوضه في الجنة يسع الجميع. فهو إذاً من الذين رضى الله عنهم وهداه إلى الإسلام وضمن له الجنة ورزقه مالاً وولداً. فبأي شيء آخر يدعو له المسلم؟

فالذي يدعو الله أن يرحم محمد ويعطف عليه يكون كمن يبيع المية في حارة السقايين. وهذا يذكرني بالحادثة التي قتل فيها عُدي، ابن صدام حسين، أحد الطباخين بقصر والده، وأراد صدام خداع الناس فحبس عدي بالحراسة، فما كان من السيد وزير العدل وقتها إلا أن كتب خطاباً مفتوحاً إلى السيد الرئيس يقول فيه "إني أخاف على إبنك منك" وتوسل للرئيس أن يطلق سراح عُدي. ولم يكن هناك أي داع لخوف الوزير لأن الأب أرحم بإبنه من الوزير. والله أرحم بنبيه من المسلمين. ثم أن المسلمين لا يقولون "اللهم صلي على محمد" وهو طلب الرحمة له، وإنما يقولون "صلى الله عليه وسلم". وصلى فعل ماضي يفيد أن الله قد صلى وانتهى من صلاته على محمد. فإذا كان هذا هو الحال، فما الفائدة من تكرار ذكر فعل قد حدث وانتهى؟ بعضهم سوف يقول إن الفعل الماضي هنا يقصد به المضارع كما نقول "غفر الله له" ونقصد "يغفر الله له" ولكن لماذا نستعمل الماضي ونعني المضارع؟

لماذا لا نستعمل المضارع ما دمنا نقصده؟

ولكنها مأساة العربي، يقول شيئاً ويقصد غيره، والقرآن مليء بهذا النوع من الأقوال.

بدأت قصة الصلاة على النبي بآية قرآنية تقول (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) (الأحزاب 56). والأحزاب سورة مدنية جاءت بعد غزوة الأحزاب في العام الخامس الهجري. فالصلاة على النبي لم تبدأ إلا في العام الثامن عشر من بدء الرسالة. فما الذي استجد وقتها حتى يطلب الله من المؤمنين أن يصلوا على نبيهم؟

وهل حقيقةً كان فرض الصلاة على محمد دون بقية الأنبياء كما يقول القرطبي؟

فالعقل يحتار في تعليل فرض الصلاة على محمد فقط دون بقية الأنبياء والرسل، في حين أن الله قد قال إن إبراهيم هو خليله وإن موسى هو كليمه الذي تحدث معه مباشرةً دون واسطة، وإن يعقوب كان من أفضل أنبيائه لدرجة أنه جعل كل الأنبياء من ذريته ماعدا محمد، وإن عيسى بعضٌ من روحه الذي نفخه في فرج مريم، فلماذا يا تُرى حصر طلب الرحمة على محمد فقط؟

وإذا كان هذا صحيحاً، لماذا يقول المسلمون في الدعاء: "اللهم صلِ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم"؟ فالله الذي صلى على إبراهيم وآله، هل يُعقل أن يحصر صلاة الناس على محمد فقط؟

وما دامت الصلاة هي الدعاء بالرحمة، فكيف يصلي الله على المؤمنين كافة، كما يقول القرآن (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما) (الأحزاب 43). ويقول القرآن كذلك (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أؤلئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) (البقرة 156-157). فهل يدعو الله قوى أخرى لترحم المؤمنين عندما يصلي عليهم أم صلاته عليهم هي رحمته لهم؟ وإذا كانت كذلك، لماذا يطلب من الملائكة أن تصلي أي تدعو للمؤمنين بالرحمة وهو قد أكد أنه يرحمهم على كل حال لأنه قال إنه يصلي عليهم؟ ولماذا طلب من النبي أن يصلي على الذين يتصدقون " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكنٌ لهم" ؟ وما دامت الصلاة هي دعاء، فلماذا يُحصر الدعاء على محمد فقط، فلا بد أنه يجوز للمؤمن أن يدعو الله أن يرحم أي شخص يختاره، ولله الحق في أن يرحمه أو لا يرحمه، رغم أنه يصلي على كافة المؤمنين. وكتب الحديث تخبرنا عن حديث عبد الله بن أبي أوفي الذي قال فيه: كان رسول الله إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صلِ عليهم. فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صلِ على آل أبي أوفي. (1). فالطلب من الله أن يصلي على المخلوق ليس مقصوراً على النبي كما يقول القرطبي. وإذا كانت صلاة الله على المؤمنين هي رحمته لهم، كيف نعلل ما حدث لملايين المؤمنين الذين يبدو أن الرحمة لم تشملهم فعانوا أقسى أنواع الموت في الزلازل والتسونامي والمجاعات، وبعضهم أطفال لا ذنب لهم بعد، فماذا حدث لصلاة الله على المؤمنين؟

وابن الأثير يقول (لما أمرنا الله سبحانه وتعالى بالصلاة على النبي ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله وقلنا: اللهم صلِ أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق به. وهذا الدعاء قد أُختلف فيه، فهل يجوز إطلاقاً على غير النبي أم لا؟ والصحيح أنه خاص له ولا يقال لغيره.) انتهى. وقد رأينا في الفقرات السابقة أن الصلاة ليست محصورة على محمد، ولكن كيف يقول ابن الأثير إن صلاة المسلمين على محمد لم تبلغ قدر الواجب فطلبوا من الله ان يصلي على محمد بنفسه، لأنه أعلم بما يليق به؟

هل كان الله لا يعلم أن صلاتهم لن تبلغ قدر الواجب عندما أمرهم أن يصلوا على محمد؟

وأهل الحديث أدلوا بدلوهم في الصلاة على النبي، فقالوا: عندما قيل للنبي: أرأيت قول الله عز وجل "إن الله وملائكته يصلون على النبي" فقال: (هذا من العلم المكنون ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به. إن الله تعالى وكل بي ملكين فلا أُذكر عند مسلم فيصلي عليّ إلا قال ذلك الملكان: غفر الله لك، وقال الله تعالى وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمين. ولا أُذكر عند مسلم ولا يصلي عليّ إلا قال ذلك الملكان: لا غفر الله لك، وقال الله وملائكته لذينك الملكين: آمين.) (2)

ومن الواضح أن هذا الحديث يتعارض مع العقل تعارضاً تاماً لأن كلماته لا تتناسب وعظمة إله خالق. فكلمة "آمين" في اللغة تعني طلب القبول. فعندما يدعو الإمام ويقول المصلون خلفه "آمين" فهم يطلبون من الله أن يستجيب للدعاء، ومعناها الحرفي "استجب". فإذا قال الملكان الموكلان بمحمد للمسلم الذي يصلي عليه: غفر الله لك، كبف يقول الله "آمين" أي استجب.

ممن يطلب الله الاستجابة؟

وهناك حديث آخر يقول (من صلى عليّ صلاةً صلت عليه الملائكة عشراً). فالملائكة التي تقول "آمين" استجابةً لذينك الملكين، تصلي عشر مرات كذلك على كل مسلم صلى على محمد. فالملايين الذين يصلون على محمد في اليوم عشرات المرات تصلي عليهم الملائكة عشر أضعاف صلواتهم. ما أطول يوم الملائكة. ولكن الأدهى من ذلك أن الذي لا يصلي على محمد يدخل النار فيبعده الله، كما يقول الحديث النبوي " من ذُكرت عنده فلم يصل عليّ فدخل النار فأبعده الله." أليس هذا عقاباً في منتهي القسوة لمؤمن لا يدعو الله أن يصلي على محمد وهو يعلم أن الله يصلي عليه سواء دعاه أم لم يدعه؟

وبما أن أهل الحديث كانوا دائماً في تنافس وعداء، فقد جاء أحدهم بحديث أكثر أهمية إذ قال: قال رسول الله "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا عليّ فإنه من صلّى عليّ صلى الله عليه عشراً.) (3). ولكن الله نفسه كان قد أخبرنا أنه يصلي على المؤمنين دون أي شرط، فلماذا يصلي المؤمن على محمد حتى يصلي الله عليه عشراً؟ هل صلاة الله الواحدة على المؤمن لا تكفي لإدخاله الجنة؟ وما دام الله يصلي أي يرحم المؤمنين، لماذا طلب من نبيه أن يصلي على المتصدقين " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكنٌ لهم"؟

وأخيراً: لماذا لا يسأل المسلم نفسه: لماذا يكرر الصلاة على محمد في حين أنه يعلم أن الله يصلي عليه، سواء دعوناه أم لم ندعه؟ والأغرب من ذلك أن الله أخبرنا أنه يصلي على محمد وكذلك تفعل ملائكته، ثم قال للمسلمين (فصلوا عليه وسلموا تسليما) أي أطلبوا له الرحمة مني. فما الحكمة في أن يأمر الله المسلم أن يدعوه ليرحم محمد وهو قد رحمه مقدماً وأخبرنا بذلك بنفسه؟ هل الله مغرم برؤية المسلمين والملائكة والجن يتوسلون إليه عشرات المرات في اليوم الواحد حتى يشعر بعظمتة وأهميته؟ ما أتفه دور العقل في التراث الإسلامي.

--------------

الهوامش والمرجع

(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، سورة البقرة، الآية 49

(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي، ج6، سورة الأحزاب

(3) الواسطة بين الحق والخلق، الإمام ابن تيمية، ص 14

تحريف الكتب -المقدسة-

تحريف الكتب -المقدسة-

quaderno-a-112-folgi-in-formato-a5-o-a6-112-page-blank-book-in-a5-and-a6-formatsjpg

كامل النجار

منذ بداية الإسلام اعتلى المسلمون خيولهم لفرض إسلامهم على الغير، ثم عندما تم لهم ذلك وترجلوا عن تلك الخيول، ركبوا خيول الغرور وزعموا أن إلههم هو الوحيد الجدير بالعبادة وأن قرآنهم هو الكتاب الوحيد "المقدس" لأن الإنجيل والتوراة محرفتان، وبقية كتب الديانات الأخرى ما هي إلا كتب فلسفة فقط. فهل هم على حق؟ سوف أحاول في هذا المقال أن أثبت لهم إذا كانت التوراة محرفة، فيتبع من ذلك أن كتابهم كذلك محرف، وعليهم النزول من على صهوات تلك الجياد.


من المعروف لدينا الآن أن كل الكتب "المقدسة" قد كُتبت بعد عقود أو قرون من موت الأنبياء الذين أتوا بها، ففي تلك الأزمان الغابرة كانت الكتابة عملة نادرة يمتلكها القليلون من الكهنة، وتُكتب على ألواح من طين وتجفف في الشمس، أو تكتب على عظام الكتف والحوض. فالتوراة كُنبت بعد حوالي خمسمائة سنة أو أكثر من موت موسى، وأول إنجيل كتب بعد حوالي خمسين سنة أو أكثر من صلب يسوع، وكذلك القرآن جُمع بعد حوالي خمسين سنة أو أكثر من موت محمد.

وكانت المصاحف الأولى غير منقطة مما أدى إلى تغيير كلمات عديدة سوف أذكر بعضها في متن المقال. ولم يظهر المصحف الحالي إلا بعد أن أعاد كتابته الحجاج بن يوسف بإيعاز من الخليفة عبد الملك بن مروان وقام بالتنقيط يحيى بن يعمر أبو سليمان الليثي البصري، الذي توفي عام ثمان وتسعين هجرية (1). وقيل نقطه أبو الأسود الدؤلي، وقيل الحسن البصري.

فحتى بداية القرن الثاني للهجرة كانت قراءة القرآن عبارة عن تخمين لأن الحروف غير المنقطة أو المنونة جعلت الكلمة الواحدة تتقبل عدة تخمينات، بالإضافة إلى أن المصحف الواحد كان يشترك في كتابته عدة أشخاص. ولأن خط اليد يختلف من شخص لآخر، ولأن مقدرتهم الكتابية تختلف، فقد قرأ القراء بعض الكلمات المكتوبة قراءة خاطئة، فمثلاً، (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها) (البقرة 61)، فلا شك أن كلمة "فومها" كانت "ثومها" ولكن لأن الحروف غير منقطة والخط غير واضح، قرأها أحدهم "فومها". وإذا أزلنا النقاط والهمزة من كلمة "قثائها" يمكن أن نقرؤها "فتاتها" وهكذا. فاحتمال تغيير كلمات القرآن وارد في كل آية.

وقصة جمع عثمان للمصحف قصة لا يمكن تصديقها إذ أن أقدم نسخة من المصحف معروفة للمؤرخين الآن هي النسخة الموجودة في متحف بيترسبيرغ في روسيا وترجع إلى القرن الثامن الميلادي، أي بعد حوالي مائة سنة من موت محمد. فلو كان عثمان قد كتب خمسة أو ثمانية مصاحف، كما تقول الرواية، ووزعها على عواصم الأمصار، لماذا لم نعثر على تلك المصاحف غير المنقطة حتى الآن؟

ومما يُثبت أن عثمان لم يجمعه هو وجود قطعة جلد بمكتبة الفاتيكان بروما عليها آيات قرآنية غير منقطة، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن عمر تلك القطعة من الجلد هو 1250 سنة، أي أكثر من مائة عام بعد وفاة محمد، كما أوضح الدكتور أحمد زكي يماني (2). وقد استنتج د. يماني أن بعض كتاب الوحي الأمويين قد احتفظوا بالجلود التي كانت معهم ولم يجمعوها مع ما جُمع من القرآن في الدولة الأموية. ثم أن هناك الصحائف اليمنية التي عثروا عليها في سقف أحد المساجد في اليمن في الثمانينات من القرن المنصرم وبها قرآن يختلف عن مصحف عثمان، فاحتفظت بها السلطات اليمنية طويلاً، وأخيراً بعد الضغط من الجامعات العالمية سمحوا لبعض المستشرقين الألمان بدراسة بعضها، وعرفنا منهم أن القرآن الذي بها يختلف عن المصحف الحالي.

وأي كتاب يحمله المؤمنون به في رؤوسهم أو في صدورهم كما يقول القرآن (وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم) كل هذه السنوات قبل أن يكتبوه، لا يمكن أن يكون نسخة طبق الأصل مما أتى به الأنبياء. فالروايات الشفهية تتغير رغم أنف رواتها ومهما حاولوا الحفاظ عليها. وهذه طبيعة ذاكرة الإنسان. فإذا كان هذا التغيير غير المتعمد يُعتبر تحريفاً، فكل الكتب "المقدسة" محرفة.

بالنسبة للإسلام، وبعد أن باءت كل محاولات محمد لأسلمة اليهود بالفشل، بدأ الهجوم القولي والفعلي على اليهود وزعم المسلمون أن اليهود حرفوا التوراة بغرض حذف اسم محمد منها. ولو كان هذا هو السبب الرئيسي لتحريف التوراة، فيكفي أن يحذفوا الآية التي تبشر برسول العرب، إن كانت هناك آية بهذا المعنى.. وليس هناك أي سبب منطقي آخر يجعل اليهود الذين آمنوا بموسى وخرجوا معه من مصر وظلوا تابعين له أربعين سنة في الصحراء وهم تائهون، يحرّفوا كتابهم عمداً.

وإذا افترضنا أنهم حرّفوا التوراة، فهم لا شك فعلوا ذلك لحذف بعض العقوبات الصارمة عليهم، أو لإباحة بعض الإشياء التي حرّمها الله عليهم، أو لتحريم ما كان الاحبار يرونه غير لائق باليهود. ولكن بالرجوع إلى التوراة الآن نجد كل شيء حرّمه الإسلام محرّم في التوراة، بل زادت عليه، وأغلب أحكام القصاص القرآنية هي نفسها الأحكام التوراتية، فماذا استفاد اليهود من تحريف التوراة؟ ليس هناك من مصلحة لهم في تحريفها.

يقول ابن قيم الجوزية (فالأئمة الهارونيون هم الذين كانوا يعرفون التوراة ويحفظون أكثرها فقتلهم بختنصر على دم واحد ، وأحرق هيكلهم يوم استولى على بيت المقدس ، ولم تكن التوراة محفوظة على ألسنتهم ، بل كان كل واحد من الهارونيين يحفظ فصلاً من التوراة.) (هداية الحيارى، ص 108).

أليس هذا ما حدث مع المسلمين في روايات جمع القرآن عندما حاول زيد بن ثابت جمع القرآن، فكان يأتيه الرجال، كلُ بما حفظ من آيات؟

ألم يقل زيد بن ثابت أنه بحث عن آخر آيتين في سورة التوبة فلم يجدهما إلا عند خزيمة بن ثابت، وعندما أتى بهما خزيمة ولم يكن معه شاهد قال ابن عباس إن الله جعل شهادة خزيمة بشهادة رجلين؟

فلم يكن هناك من يحفظ كل القرآن، بل كان كل واحد يحفظ ما تيسر له. حتى ابن مسعود، الذي طلب الله من محمد أن يقرأ له القرآن، كما تقول كتب التراث، قال إنه حفظ من النبي سبعين سورة فقط (3). واغلب هذه السور كانت السور المكية القصيرة، والقرآن به مائة وأربع عشرة سورة. وعمر بن الخطاب تعلم البقرة في اثنتي عشرة سنة (4). فهل كان بإمكانه أن يحفظ كل القرآن في حياة النبي، مع العلم أن النبي عاش أقل من عشر سنوات بعد نزول سورة البقرة؟ وإذا لم يحفظ عمر كل القرآن، فمن من الصحابة كان يمكنه حفظه؟

فلماذا يزعم المسلمون أن التوراة محرفة وقرآنهم لا يطاله التحريف؟ هم بالطبع يعتمدون على الآية التي يرددونها دون ملل، وتقول: (إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) (الحجر 9). فهل الذكر هو القرآن فقط؟ فتعالوا نقرأ هذه الآية (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) ( الأنبياء 105). والمعروف أن الزبور هو كتاب داود الذي أتى بعد موسى. فإذاً قوله (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر) يعني أن الذكر في هذه الآية هو الكتاب الذي سبق ظهور داود، أي التوراة، أو يكون الذكر هو اللوح المحفوظ في السماء. فإاذا كان هو اللوح فلا القرآن ولا التوراة يكون ذكراً. قال أبو هريرة (إن الزبور هو ما أنزل على داود، و"من بعد الذكر" يعني التوراة) (5).

وقال نوح لقومه (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا لعلكم ترحمون) ( الأعراف 63). وقال القرآن عن قوم عاد (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون) (الأعراف 69). وقال القرآن كذلك عندما خاطب محمد (وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (الأنبياء 7). واتفق جميع المفسرين أن أهل الذكر هم أهل الكتاب. فإذاً عندما قال إله القرآن إنه سوف يحفظ الذكر، فهو لا بد قصد التوراة والقرآن وكذلك الإنجيل.

والقرآن يقول (ولا مبدل لكلمات الله) (الأنعام 34). ويقول كذلك (لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا) (الكهف 27). وقال كذلك (لا تبديل لكلمات الله) (يونس 64). ونفس القرآن يقول للمسلمين (يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أُنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيدا) (النساء 136). فالمسلمون مأمورون أن يؤمنوا أن التوراة هي كلام الله، ولا مبدل لكلمات الله، فكيف يقولون إن التوراة محرفة؟

ولتفادي هذه المشكلة، يقول الحافظ أبو الخير محمد بن محمد الدمشقي، الشهير بابن الجزري: ((إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله) فوكل حفظ التوراة إليهم فلهذا دخلها بعد أنبيائهم التحريف والتبديل.)) (6). فحتى لو أوكل الله لليهود حفظ التوراة، كان عليه أن يمنع تحريفها لأنه قال (ولا مبدل لكلمات الله).

وإذا كانت التوراة قد حُرفت في زمن السبي البابلي، كما يزعمون، فلا شك أن الله كان عالماً بهذا التحريف. ولكنه عندما أنزل القرآن على محمد قال، عندما خاطب اليهود: (وآمِنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ) (البقرة 41). فحتى وقت نزول سورة البقرة كان الله يعتقد أن التوراة غير محرفة، لذلك قال لليهود: آمِنوا بما أنزلت لأنه مصّدق لما معكم. فلو كانت التوراة وقتها محرفة، وكان الله عالماً بذلك، لقال لهم: آمنوا بما أنزلت لأنه مصدقٌ لما كان معكم.

وكرر لهم في سورة النساء التي نزلت بعد سورة البقرة (يأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً) ( النساء 47). ألا يكفي هذا التأكيد بأن التوراة وقت نزول القرآن لم تكن محرفة؟

وللتأكيد على أن التوراة لم تكن محرفة، يقول القرآن (إنا أنزلنا التوراة فيها هدي ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء) (المائدة 44). يقول القرطبي في تفسيره:(يحكم بها النبيون، قيل النبيون هم محمد وعبّر عنه بلفظ الجمع، وقيل كل من بُعث بعد موسى.) انتهى.

فهل يمكن أن يأمر الله محمد أن يحكم بالتوراة وهو يعلم أنها محرّفة؟ الجواب حتماً بالنفي. ومحمد قد حكم بالتوراة عندما رجم المرأة والرجل اليهوديين عندما زنيا، كما تقول كتب التراث. وهذه الآية تضعنا أمام مشكلة عويصة: فإما أن الله لم يكن يدري أن التوراة محرفة ولذلك أمر محمد أن يحكم بها، أو أن التوراة ليست محرفة.

وماهو التحريف الذي أدخله اليهود على التوراة؟

يقول القرآن (وإنّ منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ) (آل عمران 78). ولاحظ هنا أن القرآن يقول إن هناك فريقاً من اليهود يلوون ألسنتهم بالكتاب، أي يغيرون النطق فقط، ولا يعني هذا أنهم غيروا في التوراة نفسها. وحتى هولاء كانوا فريقاً من اليهود، وليس اليهود كلهم. ولتوكيد هذا الفهم يقول القرآن (منَ الذِينَ هادواْ يُحَرِّفون الْكَلِمَ عَن َمواضعه ويقولون سَمِعنَا وعصينَا واسمع غَير مسمعٍ وراعِنَا لَيا بِأَلْسنَتهِم وطعنا فِي الدّينِ ولَو أَنَهم قَالُواْ سمعنَا وأطَعنَا واسمع وانظرنَا لَكَانَ خيرًا لَّهمْ وأقوم وَلَكِن لَعنَهم اللّهُ بِكفرهِمْ فَلاَ يؤمنون إِلاَّ قَلِيلاً) (46 النساء). فكل تحريفهم الذي اتهمهم به القرآن أنهم كانوا يقولون "سمعنا وعصينا" بدل "سمعنا وأطعنا". وكانوا يقولون "راعنا" ويقصدون أن محمد أرعنٌ. فهل يُعتبر هذا تحريفاً للتوراة؟

يقول القرآن إن هناك فريقاً من بني إسرائيل ظلموا وبدلوا ما قيل لهم (فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون) (الأعراف 162). فماذا فعل الله بالذين ظلموا؟ أرسل عليهم رجزاً كما أرسله على قوم عاد فأبادهم. فالذين غيروا فيما قيل لهم أهلكم الله. فهل هناك حفظ للتوراة أكثر من هذا؟

بل يمكن أن نقول إن الله حفظ التوراة أكثر مما حفظ القرآن، لأن بعض الناس غيروا في آيات القرآن ولم يرسل عليهم رجزاً من السماء.

وخلاصة القول هي أن التوراة ذكر كما القرآن ذكر وأن إله القرآن قال إنه أنزل الذكر وإنه حافظ له. فإذا تمكن اليهود من تحريف التوراة رغم وعد إله القرآن، فكذلك تمكن المسلمون من تحريف القرآن. ولن أتعرض هنا لما قاله غلاة الشيعة من أن جماعة السقيفة قد حرفوا القرآن وحذفوا منه الآيات التي تقول بولاية عليّ. ولكن سوف أقدّم سورة هنا اسمها سورة الحفد،

تقول سورة الحفد: (بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏ اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نخشى عذابك ونرجورحمتك إن عذابك بالكفار ملحق‏). فهذه السورة ليست في المصحف العثماني، وهذا يتركنا أمام خيارين لا ثالث لهما: الخيار الأول: هذه السورة كانت من القرآن وسقطت عنه، وبالتالي القرآن قد أصابه التحريف. والخيار الثاني: هذه السورة ليست من القرآن ولكنها تثبت أن البشر يمكن أن يأتوا بقرآن لا يقل روعة في النظم عن قرآن الله. فعلى المسلمين أن يختاروا.

ثم أن هناك اختلافاتٍ عديدة في القرآن لم يستطع المفسرون الالتفاف حولها فزعموا أن النبي عندما واجهه عمر وابن مسعود وغيرهما بقراءات مختلفة عما كان قد لقنهم من القرآن، قال لهم إن القرآن نزل بسبعة أحرف للتيسير على المسلمين. واحتار الفقهاء في مسألة الحروف السبع، وحاولوا كل شيء ممكن، فقالوا هي لغات القبائل الأخرى، وقالوا غير ذلك كثير. غير أن الاختلاف لا ينحصر في طريقة نطق الكلمات حتى نقول إنها لهجات القبائل. ولا تنحصر قبائل العرب في سبعة، فلماذا اختار الله سبعةً منها؟ ثم أن القراءات المختلفة وصلت عشرين واكثر، فما معنى الحروف السبعة؟

وكما تقول الروايات فإنّ عثمان أحرق جميع المصحاف المختلفة عن مصحفه وجعل القراءة على حرف واحد. فكيف يُلغي عثمان ما أنزله الله رحمةً بعباده وتخفيفاً لهم؟ حقيقة الأمر أن محمد كان يُلقن الناس في فترات مختلفة قراءات مختلفة لنفس الآيات لأنه من الصعب حفظ الآيات المتشابهات، وعندما اكتشف الأمر زعم أن الله أنزل القرآن بسبعة أحرف. ولأن محمد لقن الناس آيات مختلفات حسب ما تذكر كتب التراث، كتب ابن مسعود في مصحفه القرآن الذي سمعه من محمد وكان هذا القرآن مختلفاً عن المصحف الذي جمعه عثمان، كما تقول الروايات. ولذلك عندما حاول عثمان جمع المصاحف الأخرى وحرقها، رفض ابن مسعود تسليم مصحفه فضربه عثمان وكسر ضلعه (7).

وكمثال لمبالغة المسلمين في أقوالهم عن حفظ القرآن من التحريف، نورد ما قاله السيد عبدالله اسكندر المالكي (ومن هنا يظهر الإعجاز الذي لا يبارى والذي دحضتُ به حجة من أراد النيل من هذا الكتاب. لأنهم ليس لهم نصيباً {هكذا وردت} من تغيير حتى حركة واحدة من القرآن الكريم فضلاً عن الحرف فضلاً عن الكلمة فضلاً عن الآية..... الخ.) (8).

وكي نثبت للسيد الماكي خطأ ما قال نورد له بعض القراءات التي غيرت الحروف، والحركة، بل الكلمات. ففي القراءات المختلفة نجد أن القراء اختلفوا في ( لسحرٌ مبين) (يونس 2)، فقرأ حمزة والكسائي وخلف ( لساحرٌ مبين) بألف بعد السين وكسر الحاء، ووافقهم ابن كثير وعاصم وقرأ الباقون بكسر السين وإسكان الحاء من غير الف فصارت سِحرٌ. وهناك طبعاً اختلاف كبير بين كلمة "سحرٌ" و "ساحرٌ" . فهذا تغيير لكلمات الله والقرآن يقول لن تجد لكلماته تبديلاً.

وكذلك نجد في سورة يونس (ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار) بينما قرأ آخرون (ويوم نحشرهم). والسبب في هذا الاختلاف هو أن القرآن لم يكن منقطاً فتشابهت الكلمات غير المنقطة، فقرأ بعضهم "نحشرهم" وقرأ آخرون "يحشرهم".

وفي الآية (فجاسوا خلال الديار) (الإسراء 5)، قرأ بعضهم "فحاسوا" بالحاء بدل الجيم. وفي الآية (وقضى ربك) (الإسراء 23) قرأ بعضهم "وصى ربك" وفي يونس 92 (اليوم ننجيك) قرأ بعضهم "ننحيك" (9)

ونجد في القرآن آيات قالها أشخاص، وليس هناك أي دليل أنها من القرآن، (وقال ابن سعد في الطبقات‏:‏ أخبرنا الواقدي حدثني إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري عن أبيه قال‏:‏ حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى ، ثم قطعت يده اليسرى فحنى على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهويقول ‏ {‏وما محمد إلا رسول‏ قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم}، ثم قتل فسقط اللواء‏.‏ قال محمد بن شرحبيل‏:‏ وما نزلت هذه الآية يومئذ حتى نزلت بعد ذلك‏.). أي بمعنى آخر لم تكن هذه الكلمات في القرآن، فاختلط الأمر على الناس فيما بعد وجعلوها آيةً من القرآن. وهذه الرواية تعني أن القرآن ليس كله كلام الله. ولذلك عندما مات محمد وزعر الناس، بما فيهم عمر بن الخطاب الذي حلف ليقتلن كل من قال بموت محمد، وعندما جاء أبو بكر وقال (ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) قال عمر (والذي نفسي بيده ما علمت هذه الآية حتى قالها بو بكر.) فكيف نصدق أن عمر لم يكن يعرف أن هذه الكلمات هي آية من القرآن؟

والدليل الآخر على أن هذه الكلمات ليست آية قرآنية هو أن الله لايمكن أن يقول عن محمد (أفإن مات أو قُتل) لأن الله كان يعلم أن محمد لن يقتل لأنه قال له في القرآن (والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (المائدة 67). فلا يمكن أن يؤكد له أنه قد عصمه من الناس فلا يضرونه ثم يقول (إن قُتل)، لأنه كان يعلم أنه لن يُقتل.

فالقرآن ذكر مثله مثل التوراة، بل كلمة "التوراة" نفسها قد تعني القرآن (يُعبر بلفظ القرآن عن الزبور ، وبلفظ التوراة عن القرآن ، وبلفظ الإنجيل عن القرآن أيضاً وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : خفف على داود القرآن فكان ما بين أن تسرج دابته إلى أن يركبها يقرأ القرآن، فالمراد به قرآنه وهو الزبور) (10). وبما أن التوراة قد تعني القرآن، فقول المسلمين إن التوراة محرفة يعني كذلك أن القرآن محرّف.

يقول الدكتور حسن كامل، أستاذ الفقه الإسلامي بالأزهر: (إن الأديان الثلاثة تتفق في الضروريات، وهي: حفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل، وحفظ المال، وحفظ الدين) (11). فكيف يشترك اليهود مع المسلمين في حفظ الدين ومع ذلك يحرفون كتابهم؟

وعلى كلٍ فإن الكتب "المقدسة" مجهود بشري يعتريه ما يعتري كل مجهودات الإنسان من أخطاء وتغيير، فليس هناك من كتابٍ يحتوي على كلمات الله. وإنما أردت من هذا المقال إقناع المسلمين أن كل ما حدث للذين من قبلهم حدث لهم كذلك، كما في الحديث (ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حَذْوَ النعل بالنعل حتى لو كان منهم من يأتي أمه علانية لكان من أمتي من يصنع ذلك وإن بني إسرائيل تفرقت اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة) (12). فهلا ترجّل المسلمون عن صهوات جياد الغرور وعاملوا الآخر كما يحبون أن يعاملهم الآخر؟

---------

الهوامش والمراجع

(1) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، جمال الدين بن تغري بردي، ج1، ص 103

(2) إيلاف 17/6/2005

(3) تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 142

(4) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، سورة البقرة

(5) لسان العرب لابن منظور، ج4، حرف الراء، فصل الزاي المعجمة

(6) النشر في القراءات العشر لابن الجزري، ج1، ص 6

(7) تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 167، دار صادر، بيروت

(8) إيلاف 3/8/2008

(9) انظر كتاب النشر في القراءات العشر لابن الجزري

(10) هداية الحيارى لابن القيم، ص 80

(11) إيلاف 15/12/2008

(12) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج4، آل عمران 103