نريد وطنا يحكمه الشعب لا الأبطال
بقلم ابراهيم القبطي
ثورة الشباب المصري حققت هدفها الرئيسي ، وهو رحيل الرئيس المخلوع مبارك ، ومعه ثلة من المنتفعين ، والآن تجري محاولات لاستعادة النظام إلى الحياة المصرية عن طريق جيش مصري وطني . ولأن الشعب المصري على عمومه ، والأقباط على خصوصهم أدمنوا الخوف لأجيال كثيرة ، كان من الصعب انتزاع الثقة منهم في هذه المرحلة ، وهو ما يمكن فهمه وتقديره .
فمن كان يصدق أن الشباب سوف يحرك ثورة لادينية ولا طائفية ولا حزبية ولا اخوانية ؟
ومن كان يصدق أن يعلن الشعب عن طموحه في دولة ديمقراطية تسمح بتدوال السلطة ؟
ومن كان يصدق أننا وفي مدة 18 يوم ، نصبح على أعتاب حلم لم يكن يخطر ببال اكثر السيرياليين جموحا ؟
لكننا في نفس الوقت لا نريد للخوف أن يخنق أحلامنا ، وأن يتحول الخوف إلى كابوس مفزع نترقب بسببه في قلق كل فئة أو منظمة تسعى للربح أو السلطة !!
نعم هناك آثار لمحاولات ايرانية باهتة للتدخل في أحداث مصر ... وهذا قمة الهزل السياسي ، لأنه كان بالاولى على الايرانيين أن يخشوا امتداد رياح الثورة إلى أراضيهم كما انتشرت إلى الجزائر واليمن والاردن ولبنان . كما أن ايران الشيعية هي آخر من يمكن أن يطمح في حضور سياسي قوي في وسط أغلبية سنّية في مصر ... ثم إننا وإن كنا نرحب بالمصريين الشيعيين كجزء من الوطن ، لكننا كمصريين لن نقبل تدخلا من غير المصريين في شؤون بلادنا ، وبالأخص من دولة تستعبد شعبها بمطارق الدين والتكفير. دولة تقمع المرأة والأقليات السنية والمسيحية بالحديد والنار . كما أن المواجهة القادمة بين اسرائيل وايران سوف تجعل النظام الايراني الفاشستي في مواجهة مشاكل خارجية تستهلكه ولا تؤهله إلى أي قدرة على التدخل في أي من شئون الكيان الوطني المصري.
ونعم هناك شواهد على محاولات الاخوان المسلمين لسرقة الثورة من الداخل ... ولكن محاولاتهم تواجهها تيارات ليبرالية وعلمانية قوية بقوة الشباب العلماني المثقف الذي حرك الثورة ... ومن لا يعرف الفكر الإخواني ، عليه أن يدرك أن قوة الاخوان في الشارع المصري في السنين السابقة كانت قائمة على فساد الحكومة ، فالحضور السياسي للاخوان لم يكن لشعبيتهم الخاصة أو لوجود برنامج سياسي واضح لهم (1)، أو لانهم يملكون مفاتيح وحلول لمشاكل المصريين ، بل شعبيتهم كانت كفرا بالحكومة ... لأن الشعب الجائع المهمش والشباب العاطل كان تربة خصبة للمتسلقين من أمثال الاخوان ... وقد فضحتهم الثورة الشعبية فلم يظهر حضورهم إلا باهتا على استحياء وفي الايام الاخيرة للمظاهرات (2).
ونعم هناك محاولات من تنظيمات جهادية –كالقاعدة في العراق- الذي دعا الشعب المصري إلى تحويل الثورة الوطنية إلى الصبغة الإسلامية المتطرفة ، ولكن دعوتهم لم نسمع عن أصداء لها بين جموع الجماهير المتظاهرة ... بل قابلها الكثير من الشباب بالسخرية ، أما الاهم أن القاعدة تواجه تحديين كبيرين في التربة المصرية
التحدي الأول سوف يكون من الاخوان المسلمين أنفسهم ، وهذا نتيجة الاحتقار المتبادل بين الاخوان -الذين ينتجهون أساليب السياسة أكثر من العنف- وتنظيم القاعدة ، حيث الكثير من قياداته كانوا من المنشقين عن تنظيم الاخوان لرغبتهم في تكفير المجتمع واللجوء إلى العنف والمواجهة لا السياسة .
والتحدي الثاني الأكبر سوف يكون من الشعب المصري نفسه بكافة طوائفه الذي نادي بالديمقراطية في ميادين المنشية والتحرير وغيرها ، وتنظيم القاعدة لا وجود لمصطلح الديمقراطية في لغته التكفيرية ... ولن يجدوا في شريعتهم أي بديل عن الثيؤقراطية ... أي حكم ديكتاتور باسم الدين ...
إذن ما يمكن أن نضمنه الآن هو أن الصورة السياسية في مصر معقدة ، وأكبر من امكانيات أي فئة معينة أو حزب أو تيار ديني لينال حكما مطلقا في مصر .
ما يمكن أن يمثل تحديا حقيقيا لثورة الشعب المصري ، هو الشعب المصري نفسه ، فهو شعب يملك رصيدا لا بأس به من العاطفة والمشاعر الجياشة ، ينفعل ويتأثر بكلمات الشجن والقلوب ، وهنا مكمن الخطر ، فالشعب المصري أظهر على مسار تاريخه الطويل ميول جارفة في البحث عن أبطال ، وكلما انجرف وراء بطل ، تحول هذا البطل على مر الزمن إلى ديكتاتور، والماضر القريب خير دليل ، عندما تحول "محمد علي" من بطل ثورة شعبية إلى أكبر دكتاتور مصري في القرن ال19 ، وبالمثل عندما تحول "عبد الناصر" من بطل شعبي ، إلى أكبر ديكتاتور مصري له شعبية في القرن العشرين ... وهكذا دواليك
التاريخ يعلمنا أنه ما أسهل أن يتحول البطل إلى ديكتاتور ... ولا فرق بين ديكتاتور محبوب أو مكروه ... عادل أو ظالم ... في النهاية الدكتاتور يختزل إرادة شعب بأكمله في شخص واحد ... وتلك هي أكبر جريمة يمكن ان يرتكبها الشعب المصري في حق نفسه . أن يتحول 80 مليون إلى شخص واحد .
ثورة الشباب والشعب في 25 يناير كانت بلا قائد ، ونحن لا نريد بطلا أو قائدا مغوارا ... لا نريد شعارات وأغاني وطنية ... لا نريد مبايعات ومزايدات على أفراد ، أيا كان دور هؤلاء ...
لا نريد صناعة ديكتاتورا آخر ... ليس الآن ولا بعد مئات السنين
ولا نريد أن نحيا في وطن تحت رحمة القدر ... مرة يأتينا ديكتاتور عادل فنغني له حتى يسرق وطننا ويسلب ارادتنا ، ومرة أخرى نُبتلى بدكتاتور فاسد ، يجعل وطننا مستعمرة للبوليس السياسي والفساد والرشوة والقمع.
فقط نريد نظاما سياسيا مستقرا ثابتا لا علاقة له باشخاص ، نظام مبني على مؤسسات علمانية محايدة تُحكم بقانون مدني .(3)
نريد نظام يخضع فيه الجميع للقانون الذي صنعه الشعب لا آلهة أو أديان أو نصوص مقدسة .
نريد مؤسسة تشريعية لا تطبخ القوانين المشبوهة تحت جنح الظلام ، ولا يتم التصويت فيها برفع الايدي العشوائية ، بل مؤسسة تعقد جلساتها جميعا أمام شاشات التليفزيون ، ويتم التصويت بنظم الكترونية حديثة.
نريد مؤسسة تنفيذية تحترم الفرد المواطن المصري ، وتنفذ القانون بلا محاباة للون أو عرق أو دين أو جنس ، ونريد شرطة في خدمة الشعب ... لا مجرد عسكر يستمتعون بممارسة السلطة والقمع ضد المواطن .
نريد مؤسسة قضائية تبني أحكامها على أصوات المحلًّفين لا على صوت قاض واحد يحمل عصا دكتاتورية قانونية في قاعة المحكمة
كفانا أبطالا أمثال شمس الزناتي وأبو زيد الهلالي وعنترة بن شداد ، كفانا محمد علي و جمال عبد الناصر
نحن نريد وطنا يقوم على كل الشعب ، وكل الشعب فيه أبطال .
نريد وطنا شفافا مصنوعا من ألماس غير قابل للكسر ... ليعكس كل أطياف قوس قزح
نريد وطنا جميلا يمكننا أن نسلمه بكل فخر إلى أولادنا واحفادنا ... فيعلمون كم كان أجدادهم حكماء .
------------
هوامش:
(1) ومما لا شك فيه أن قليل من الصراحة سوف يظهر خواء الشعار الإخواني : "الإسلام هو الحل" ، لا يكفي أن تعلن أن الإسلام هو الحل دون ان تضع خطة للتنمية الاقتصادية ، أو خطط لمعالجة البطالة ... فهذا الشعار الخاوي يمكن تحطيمه تماما في المواجهات السياسية والمناظرات كما فعل فرج فودة في مناظرته القديمة مع الشيخ الغزالي ... وسف يفتح عليهم هذا الشعار أبواب من المواجهات الدينية القاسية بينهم وبين علمانيين وأقباط يعلمون جيدا كيف يمكن تنفيد فكرة الحل السياسي الإسلامي من أساسها.
فالأفضل لهم أن يحتفظوا بدينهم معززا مكرما في قلوب المؤمنين به ، ولا يحرجونه في دهاليز السياسة .
(2) من الناحية السياسية كل ما يمكن أن يطمع فيه الاخوان هو نصيب ضئيل من مقاعد مجلس الشعب كحزب من ضمن الأحزاب ، أما أن ينفردوا بأغلبية مطلقة أو حكم مطلق ، فهو أبعد ما يكون عن الواقع السياسي المصري .
(3) لعل من المهم في هذه المرحلة أن نستلهم دستور 1923 ، والذي يمكن تحويله من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري
ولقراءة الدستور المصري لعام 1923 يمكن الرجوع إلى هذا الرابط
http://mechristian.wordpress.com/2011/02/12/constitution-of-1923/