القضية القبطية (6): دمعة
ابراهيم القبطي
عندما تكلمت سابقا عن القضية القبطية (1) ، حاولت أن أركز دائما على ما هو ايجابي أو على الحلول اللازمة لنوال فئة من البشر - تصادف أنها تعتقد بعقيدة تخالف الأغلبية - حقوقها ، ولكن مع الأسف اكتشفت أن أكبر المعوقات تأتي من الداخل لا من الخارج ، تأتي من شعب عاش تحت ظلام الإسلام قرابة 14 قرن ، وتربى تحت نير الاستسلام ، ففقد الكثير منهم شعوره بآدميته.
وقت متأملا فيما يحدث على الساحة السياسية والدينية في مصر في الفترة الأخيرة فسالت دموعي مع أسئلتي
تظاهر الأقباط من أجل اختفاء زوجة كاهن قبطي من دير مواس بالصعيد ، فتجمع منهم الآلاف ، بل وعشرات الآلاف ، وذهبوا للاعتصام في مقر البطريركية في القاهرة (2)... في نفس الوقت الذي اختفى فيه من دير مواس أيضا فتاتان في سن 13 و 15 سنة هما مريم وسامرية ... فلم يلتف الكثيرون إليهما !(3)
لم يشغل بالي كثيرا لماذا اختفت زوجة الكاهن ، ولم يشغل بالي أيضا لماذا عادت فجأة ولتعلن أنها كانت في خلاف مع زوجها وذهبت لأحدى صاحباتها لمدة يومين ...
فلو كان هذا صحيحا - وهو مشكوك فيه - لكانت تلك كارثة افتعلتها امرأة لامبالية
ولو كان خاطئا - وهو الأقرب للصواب - فهو إعلان غير مباشر عما هو مخفي ، وسيظهر لاحقا إن عاجلا أو آجلا
كل ما شغل بالي ألا تكون قد اختطفت قهرا ، فهي إنسانة لها حقوقها وواجباتها ... وهذا ما يبدو ايضا بعيدا عن الاحتمال
ولكن ما شغل بالي بالأكثر :
لماذا يتظاهر الأقباط بالآلاف لزوجة كاهن بينما لا يبذلون عُشر هذا المجهود من أجل الفتاتين الصغيرتين؟
هل لأن زوجة الكاهن من أهل الخاصة أصحاب السلطان أما مريم وسامرية من أولاد العامة ؟
هل لأن زوجة الكاهن يقبل الأقباط أيادي زوجها الكاهن بينما مريم وسامرية من أولاد الفلاحين البسطاء المقبِّلون للأيادي ؟
أين حقوق مريم وسامرية ؟
هل ستستمر مظاهراتكم يا أقباط من أجل فتاتين بريئتين ، لا يملكون من الوعي والإدراك مثلما امتلكت زوجة الكاهن ذات ال25 عام ؟
لو كان عموم الأقباط لا يشعرون بأهمية كل فرد منهم كأنسان ... فكيف يمكن لهم أن يطالبوا بحقوقهم الإنسانية ؟
لو كان الأقباط يظنون أنهم أولاد الجارية ، بينما الكهنة وزوجاتهم فقط هم أولاد البشوات ويستحقون المظاهرات من أجلهم ... فلماذا نطالب بحقوقهم فيما بعد ؟ فلنطالب بحقوق الكهنة والقيادات الدينية فقط !!!
إذا كان الأقباط لا يحترمون كل فرد منهم ويفضلون احترام وتقبيل أيادي الكهنة أصحاب السلطان فقط ، فهل نختزل الأقباط إلى فئة الكهنة والإكليروس ... ونلقى ببقية الشعب القبطي إلى مزبلة التاريخ ؟
------------------
لن تكون حادثة اختفاء زوجة الكاهن الأخيرة من نوعها ، بل سيستمر التعاون الخفي بين شبكات الأسلمة وأمن الدولة الإرهابي في مصر ، وسيعرفون دائما ما هي نقاط ضعف الأقباط
+ فلو خطفوا مئات أو آلاف أو عشرات الآلاف من فتيات الأقباط ... ستخرج تأوهات فردية من هنا ومن هناك ، ثم تبتلعهم بوابة النسيان ، وتزداد أعداد العبيد في أمة العربان المحمدية بالكثير من ملكات اليمين
+ أما لو أرادوا تحريك سياسي يلهي الأقباط عن حقوقهم ، أو مقايضة سياسية مع نظام الحكم ، فيمكنهم من حين لآخر أن يخطفوا زوجة كاهن أو يسقطوها في حبائلهم ، فتقوم المظاهرات ، ثم تظهر حكومة مبارك بمظهر راعي حقوق الأقباط وتعيدها اليهم بعد عدة أيام .... فيقيم الأقباط الاحتفالات والأفراح والليالي الملاح ... وتخرج مظاهرات المبايعة إلى الأبد ...
-----------------
أما هاتان الفتاتان : مريم وسامرية ، وكل فتاة صغيرة قاصر اختطفتها شبكات الإرهاب الإسلامي فلهم مسيحهم ، مسيحيهم الذي لن ينساهم ، والذي لا يفرق بين خاصة وعامة . مسيحهم سوف يتظاهر وحده من أجلهم أمام أبيه السماوي .
أما أنا فاصرخ مع أرميا النبي : "يا ليت رأسي ماء وعينيّ ينبوع دموع فابكي نهارا وليلا قتلى بنت شعبي"
-----------------
هوامش
(1) راجع المقالات السابقة عن القضية القبطية على الحوار المتمدن
http://www.ahewar.org/m.asp?i=937
(2) المظاهرات على اليوتيوب
http://www.youtube.com/watch?v=sn8jZB1M8Vs
(3) نداء استغاثة صامت من أهل الفتاتين