تفكيك اللاهوت العربي
مينا فؤاد
منذ عدة أشهر صدر كتاب عن دار الشروق بعنوان: "اللاهوت العربي وأصول العنف الديني"، بحسب رؤية المؤلف هو في إعتقاده يتتبع أهم الأفكار التي شكلت تصور اليهود والمسيحيين والمسلمين وهو بحسب إعتقاده أيضاً يُحلل الروابط الخفية ويكشف عن المجهول في التاريخ اليهودي والمسيحي والإسلامي.
ما يهمني هنا هو إطروحته عن التاريخ العقيدي اليهودي والمسيحي. وبرغم أنني سأقدم تحليلاً لأهم أفكار الكتاب في حلقات مسلسلة، لكنني لا أدعوك أن تشتري كتاب "اللاهوت العربي"، فلن تقرأ جديداً بل ستقرأ كلاماً مكرراً وأنصاف حقائق تحاول إبراز نفسها على أنها الحقائق الكاملة.
إذ كنت تقرأ باريت إيرمان، إيلين باجلز وغيرهم فبالتأكيد قرأت هذا الكلام، هو فقط منقول ومترجم فلا تكلف نفسك عناء شراؤه.
سأبدأ هذه السلسلة بمناقشة الفرضيات الأساسية التي طرحها المؤلف كأساس لعمله، العمل الذي تعمد مؤلفه نقل أنصاف حقائق على أنها حقيقة كاملة ونقل أراء شخصية على أنها حقيقة علمية، لكن هذه هي طبيعة العقل المقيد الذي يفعل أي شئ لإثبات وجهة نظره على حساب الحقائق والأمانة العلمية، بالتأكيد لن أقوم بمناقشة كل ما ورد في الكتاب لكنني سأناقش بعضها فقط
الفرضيات الأساسية: إقتباسات من مقدمة الكتاب
• "يبدو لنا عند إمعان النظر، أن الديانات الثلاث (اليهودية، المسيحية، الإسلام) هي في حقيقة أمرها ديانة واحدة وجوهرها واحد، ولكنها ظهرت بتجليات عدة .... ص23.
• بدت بسبب إختلاف اللغات والأماكن والأزمنة، إختلافات تشريعية وعقائدية بين الأديان الثلاث، لكن الجوهر الإعتقادي ظل واحداً... ففي الديانات الثلاث المعبود واحد،
مهما تعددت صفاته وأقانيمه وأسماؤه.... ص24. • التوحيد إذن، ليس هو الموحد بين اليهودية والمسيحية والإسلام... بل هو تأسيس اللاحق منهم لذاته على السابق ... ص25.
• الأصول أن تقرن بين الديانات الرسالية الثلاث أو نقارب بينها، على إعتبار أنها تجليات ثلاثة لجوهر ديني واحد... وتلك هي القاعدة الأساسية التي تقوم عليها فصول الكتاب ... ص30.
مغالطات القاعدة الأساسية التي تقوم عليها فصول الكتاب (حسب تعبير المؤلف): المعبود واحد والديانات الثلاث تجليات لجوهر واحد.
إنهيار القاعدة الأساسية
من هو "الله"؟
الله -كإسم علم- هو الإسم الذي يطلق على الخالق عند المسلمين، وهو إسم لا نجده في العهد القديم حيث إسماء وألقاب الإله الخالق تتنوع بين (إيلوهيم، يهوه، أدوناي، ... إلخ)، ولا نجده في العهد الجديد حيث نجد أسماء وألقاب الإله الخالق تتنوع بين (ثيؤس، كيريوس، كريستوس، .... إلخ)
الإسم المتعلق بالإله المعبود الخالق ليس واحداً وجوهره أيضاً ليس واحداً، بمعنى الإسم "الله" هو مشتق من "إلاه"، ففي المنقوشات الثمودية والصفوية نجد إسم إله القمر "هلاه": (هـ -لاه) حيث الهاء هي أداة التعريف والتي يقابلها في العربية "ال" لتصبح (الـ-لاه)، وربما أن الألف واللام دخلتا على "إلاه" ثم حُذفت الهمزة للتخفيف لكثرة الإستعمال وأدمغت اللامان مع التفخيم. وأمامه نجد "إيلات" والتي مثلت الشمس وهي أحد الأصنام التي ذكرت في القرآن مع "العزى"
ويبدو من صورة الأنعام آية 19 أن "الله" كان إله مع آلهة أخرى عند أهل مكة: "قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـذَا الْقُرْءَان لأنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ".
وعندما إستعمل محمد (صلعم) صفة "الرحمن" كمرادف لكلمة الله إعتبر أهل مكة ذلك من مبتكراته فهو لم يكن أحد آلهتهم مثل "الله"، فرفضوا الصيغة التي تضمنت "بسم الله الرحمن" وتمسكوا بالصيغة المكية السابقة للإسلام ومحمد (صلعم) وهي "بإسم اللهم":
(فلما اتفقا دعى علي بن أبي طالب فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: أما الرحمن، فما أدري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب.
فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم.
فقال صلى الله عليه وسلم: اكتب: باسمك اللهم) راجع مختصر السيرة النبوية وتفسير البيضاوي على سورة الفتح الآية 26.
إذاً الإله الخالق المعبود في الإسلام مختلف تمام الإختلاف من حيث الجوهر والمنشأ عن اليهودية والمسيحية، فهو ذو أصول وثنية ثمودية وعرف في مكة كمعبود قبل ظهور الإسلام. وبينما الإختلاف هو في جوهر الإله وإسمه بين الاسلام وبين المسيحية واليهودية، فهو أيضاً مختلف الصفات، "الله" في الإسلام هو:
المضل (النساء 88، 143، الإنعام 39، 125، الأعراف 178، 186، .... إلخ)
مغوي القلوب (هود 34، الحجر 39، مريم 83... إلخ)
يأمر بالفسق (الأسراء 15، 16، مريم 83، ... إلخ)
متكبر (الحشر 23)
مكار (آل عمران 54، الأنفال 30، ...إلخ)
هذه فقط نموذج من باقي الصفات الإلهية وهناك الكثير والكثير من ذلك النوع من الصفات لا يتسع المجال لذكرها
وعلى العموم، فهذه الصفات مختلفة كلياً عن صفات الإله في اليهودية والمسيحية (لا تنس أن الإله في اليهودية والمسيحية هو واحد)
إذاً الإله المعبود الخالق يختلف في جوهره وإسمه وصفاته كل الإختلاف عن الإله في اليهودية والمسيحية.
هنا تسقط الفرضية الأساسية التي يقوم عليها كتاب اللاهوت العربي.
----------------------------------
أستكمل الإقتباسات من المقدمة
"... لم نعرف تاريخياً أن هؤلاء الوثنيين تقاتلوا يوماً فيما بينهم،.... على نحو ما فعلت اليهودية مثلاً في حروب الرب التي قادها خليفة النبي موسى يشوع ابن نون لإجلاء سكان فلسطين العرب (الكنعانيون)" ....ص 27
هذا الإقتباس يحوي نقطتين: الأولى خاصة بحروب الرب التي خاضها يشوع ضد الشعوب الوثنية بأمر الرب، وهي نقطة سأتناولها في حلقة قادمة.
النقطة الثانية: وهي تعبير "سكان فلسطين العرب (الكنعانيون)"، حينما يضع المؤلف كلمة كنعانيون بين قوسين فهو يوحي لنا أنها مرادف لكلمة العرب، وهو يوحي لنا أيضاً أننا أمام تضليل تاريخي متعمد.
أولاً: من هم الكنعانيون
كنعان هي منطقة في آسيا الغربية يحدها البحر المتوسط غرباً ونهر الأردن شرقاً وتمتد من ترسوس وأدنة شمالاً (جنوب سوريا) حتى غزة الحالية جنوباً (إنظر الخريطة). كانت آهلة بالسكان منذ عصور قديمة منذ الألف الخامسة قبل الميلاد. يبدأ تاريخ كنعان في التوضيح منذ الألف الثاني ق. م. فإن غزاة من العراق الهندو أوروبي ومن العرق الحوري بصفة خاصة وفدوا إلي المنطقة وأستوطنوها. وتبع ذلك في القرن الثالث عشر ق. م غزوات الحثيين والمصريين وشعوب البحر الفلسطيين وهم قادمون من جزيرة كفتور (رج تث2: 23، عا9: 7، أر47: 4) وهي جزيرة كريت (وكلمة فلسطيون هي التي نقلت للترجمة العربية فلسطينيون وهو ليسوا عرباً بل قادمون من جزيرة كريت). ثم جاء العبرانييون إليها بعد الخروج من مصر.
تلاشى عملياً الكيان الكنعاني منذ القرن الثاني عشر ق. م ولم يبق منه إلا ما بقي من حضارة في فينيقية.
الديانة الكنعانية ديانة سامية تعكس إهتمامات شعب ريفي يعمل بالزارعة وشعب مدني يعيش من التجارة، من الآلهة الكنعانية داحون، بعل، عنات وعشتار.
تُذكر في المصادر القديمة -مثل نصوص تل العمارنة- بـ"كنعني، كنعنا"، والنصوص المصرية "كنعن"، وكذلك في النصوص الأكادية .. إلخ
ثانياً: من هم العرب
العرب هم أصلاً سكان الجزيرة العربية. إلا أن لفظة "عرب" تعني في عدد من النصوص الأشورية والعيلامية والأخمينية (فارس): البداوة وحياة البادية، وهو نفس المعنى الذي نراه أحياناً في الكتاب المقدس. وكانت تستخدم قديماً لتشير لتلك المنقطة الواقعة من جنوب غزة (الحالية) إلي جنوب الجزيرة العربية. ثم في عصور تالية صارت مرادف لـ "الأسماعيليين" الذين كانوا اعراباً في جزيرة العرب.
أطلق اليونان تلك اللفظة على جزيرة العرب وأدخلوا معها منطقة طور سيناء.
المصادر عن تاريخ العرب قبل الإسلام قليلة وتقتصر مصادرها من خارج البلاد العربية سواء من الكتابات الأشورية أو اليونانية أو الكتاب المقدس وبعض الإكتشافات في منطقة جزيرة العرب.
وحتى فترة ما قبل الإسلام بقليل لم تكن لفظة العرب تعني جنس أو قومية بل كانت تطلق على كل ممالك وسكان بلاد العرب من بدو، ومع دخول الإسلام صارت تطلق على الشعوب الإسلامية وإمتزج التاريخ العربي بالإسلامي.
تزييف التاريخ
لا علاقة إذن بين الكنعانيين والعرب بأي شكل من الأشكال، يمكنك أن تتوسع أكثر أن تعقد مقارنات بين اللغة والدين والعادات ولن تجد أي مقاربات.
وتسقط فرضية أخرى من فرضيات مقدمة اللاهوت العربي
--------------------------------
المراجع
• جرجي زيدان، العرب قبل الإسلام، دار الهلال، القاهرة 2006.
• جواد علي، المفصل في أديان العرب قبل الإسلام، دار الشعاع، القاهرة 2004.
• موجز دائرة المعارف الإستشراقية، الجزء الأول، دار نون، القاهرة 2010.
• هنري س. عبودي، معجم الحضارات السامية، جرس برس، لبنان 1991.
• بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم، المكتبة البولسية، لبنان 2003.
• عاطف عيد، فصة وتاريخ الحضارات العربية بين الأمس واليوم، جزء 7، 8 : فلسطين، لبنان 1999.
• Rafat Amari, Islam in Light of History, Religion Research Institute, USA 2004.
• Adrian Curtis, Oxford Bible Atlas, Oxford University Press, USA 2007