الشيخ ابن الخطيب هو أحد من ماثل عمله عمل الشيخ النوري في تأليف كتاب يثبت فيه تحريف القرآن المزعوم ، فجمع الروايات وأقوال الصحابة في تحريف القرآن وكافح ابن الخطيب ونافع في كتابه الفرقان – الذي حصلنا عليه مؤخرا- عن فكرة التحريف وصار يرد على بعض علماء الأزهر ، وسننقل بعض الموارد من كتابه .
قال ابن الخطيب في كتابه : " وليس ما قدمناه من لـحن الكُتّاب في المصحف بضائره ، أو بمشكك في حفظ الله تعالى له ، بل إن ما قاله ابن عباس وعائشة وغيرهما من فضلاء الصحابة وأجلاء التابعين ، أدعى لحفظه وعدم تغييره وتبديله.
جواز الخطأ على كُتّاب المصحف : ومما لا شك فيه أن كُتّاب المصاحف من البشر ، ويجوز عليهم ما يجوز على سائرهم من السهو والغفلة والنسيان ، والعصمة لله وحده . وقد اختلفوا في عصمة الأنبياء ، والقول الراجح أنـهم معصومون فيما يتعلق برسالاتـهم فقط ، أما ما عداها فشأنـهم كشأن بقية البشر . ومثل لـحن الكُتّاب كلحن المطابع ، فلو أن إحدى المطابع طبعت مصحفا به بعض الخطأ – وكثيرا ما يقع هذا - وسايرها على ذلك بعض قرّاء هذا المصحف ، لم يكن ذلك متعارضا مع حفظ الله تعالى له وإعلائه لشأنه " (ص45-46) .
---------------------------------
وأيضا قال في فصل ( ما غيّره الحجاج في المصحف ) من كتابه الفرقان :
" قد غيّر الحجاج بن يوسف الثقفي في الصحف (وهو المصحف الذي كتب في عهد عثمان . والحجاج أول من نقط المصحف وشكله ، بأمر من الخليفة عبد الملك بن مروان) ، إثنا عشر موضعا :
كانت في سورة البقرة (لم يتسنّ) فغيرها {لَمْ يَتَسَنَّهْ}(البقرة/259) بالهاء .
وكانت في سورة المائدة ( شريعة ومنهاجا ) فغيرها {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}(المائدة/48).
وكانت في سورة يونس ( هو الذي ينشركم ) فغيّرها {يُسَيِّرُكُمْ}(يونس/22).
وكانت في سورة يوسف ( أنا آتيكم بتأويله ) فغيرها {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ }(يوسف/45).
وكانت في سورة المؤمنين ( سيقولون لله ) فغيرها ِ{سيقولون الله} (المؤمنون/87). وفي نفس السورة أيضا ( سيقولون لله ) فغيرها {سيقولون الله} (المؤمنون/89) .
وكانت في سورة الشعراء -في قصة نوح عليه السلام- ( من الخرجين ) وفي نفس السورة - وفي قصة لوط عليه السلام- ( من المرجومين ) فغير التي في قصة نوح وجعلها {مِنْ الْمَرْجُومِينَ}(الشعراء/116). وجعل التي في قصة لوط {مِنْ الْمُخْرَجِينَ}(الشعراء/167).
وكانت في سورة الزخرف ( نحن قسمنا بينهم معايشهم ) فغيرها {مَعِيشَتَهُمْ }(الزخرف/32).
وكانت في سورة الذين كفروا ( من ماء غير ياسن ) فغيرها { آسِنٍ }(محمد/15).
وكانت في سورة الحديد ( فالذين آمنوا واتقوا ) فغـيّرها {وَأَنْفَقُوا}(الحديد/7).
وكانت في سورة التكوير ( وما هو على الغيب بظنين ) فغيرها {بِضَنِينٍ}(التكوير/24) .
سبب ما فعله الحجاج من التغيير : ولم يصنع الحجاج ما صنع إلا بعد اجتهاده وبحثه مع القرّاء والفقهاء المعاصرين له . وبعد اجماعهم على أن جميع ذلك قد حدث من تحريف الكُتّاب والناسخين ، الذين لم يريدوا تغييرا ولا تبديلا ، وإنما حدث بعض ما حدث لجهلهم بأصول الكتابة وقواعد الإملاء والبعض الآخر لخطأ الكاتب في سماع ما يملى عليه ، والتباسه فيما يتلى عليه .
ولا يتنافى هذا مع قوله جل شأنه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}(الحجر/9). لأن المراد بالحفظ مفهوم الألفاظ لا منطوقها (!!) لأن الألفاظ ما صيغت إلا ليستدل بـها على معان مخصوصة قصد بـها أوامر ، ونواه ، وعبادات ، ومعاملات ، وجميعها مصان محفوظ ، مهما تقادم الدهر ، وتطاول العمر " (ص50-52) .
-----------------------------
وقال ابن الخطيب في فصل ( التناقض الموجود في رسم المصحف ) من كتابه الفرقان :
" قصور كاتب المصحف في الهجاء : وعلم الله تعالى أن هذا الرسم لم يناقض بعضه بعضا إلا لتوهم الكاتب للمصحف الأوّل (الصحابة الذين كتبوا المصحف ؟؟) وقصوره في فن الـهجاء وخطئه -نعم أقوالها واضحة جلية بدون مواربة ، فالحق لا يقبل المحاباة ، ولا المداجاة- لأن ذلك الكاتب من البشر ، وسائر البشر يجوز في حقهم السهو ، والخطأ ، والنسيان ، والقصور ، وقد قال بذلك ، عائشة ، وابن عباس ، وغيرهما من فضلاء الصحابة الذين أخذنا عنهم الشريعة ، الدين ، والقرآن " (ص83-84) .
-------------------------------
قال ابن الخطيب في الفرقان : " قول عثمان بأن في كتابة المصحف لـحنا : وقد جاء أن عثمان قال – حين عرض عليه المصحف في كَتْـبَتِهِ الأخيرة - : أرى فيه لـحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها . ولا شك أن عثمان يقصد بذلك اللحن الذي ستقيمه العرب بألستنها : الخطأ البادي في الهجاء ، والتناقض الموجود في رسم المصحف القديم .
قول عائشة بخطأ كاتب المصحف الأول : روى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنـها قالت : ثلاثة أحرف في كتاب الله هي خطأ من الكاتب { إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ}(طه/63). و {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ}(المائدة/69). و{لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ }(النساء/162).
أما وقد ثبت لنا الآن من قول عائشة (رضها) ومن قول كثير من فضلاء الصحابة : خطأ الكاتب للمصحف الأول ، فلا معنى للتمسك بـهذا الرسم ، الذي ثبت خطؤه بقول الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقول عثمان (رض) ، وقول عقلاء الأمة وأدبائها ومفكريها . وقد كان هذا الرسم سببا في خطأ بعض القراء المشهورين ، كما سنبينه في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى " (ص90-91) .