For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.

الثلاثاء، ٢٩ يناير ٢٠٠٨

انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 5 من 8 )

د. أحمد صبحي منصور

اتهام الأعداء بالكذب ضمن صراع الأديان الأرضية بالاحاديث

الهجوم على القدرية و المعتزلة

أنبت عصر الخلفاء وعصر الأمويين أديانا أرضية منها الذى لا يزال باقيا وتعدد وتشعب كالتشيع و السنة ، ومنها ما ضاع معظمه وبقيت بعض ذيوله كالخوارج (بقى منهم الاباضية ) ومنهم من اندثر كالمرجئة .

هذا بينما امتاز القدرية بالتفكير الحر دون الحاجة الى الكذب على الله تعالى ورسوله ودون إسناد آرائهم للنبى عليه السلام ، والقدرية هم أصحاب مذهب الارادة الحرة ومسئولية الانسان عن أفعاله دون تمسح بالقضاء و القدر.

More...

لذلك حظوا بكراهية أصحاب الأديان الأرضية خصوصا دين السنة المعبر عن أهل السيطرة والحكم الذين يستخدمون الدين فى تبرير ظلمهم واستبدادهم ، ولا يزالون يفعلون .

ونشأ المعتزلة من بين أحضان القدرية ، وحظوا مثلهم بكراهية أصحاب الحديث . ليس فقط واصل بن عطاء الذى اعتزل الحسن البصرى ولكن أيضا تلميذ واصل بن عطاء ، وهو عمرو ابن عبيد الذى حافظ على حياته واستقلاله الفكرى بالزهد فى الدنيا ، فى الوقت الذى تكالب فيه الفقهاء على الدولة العباسية يصنعون لها الأحاديث بقيادة الأعمش وغيره .

لقد وصفوا عمرو بن عبيد ب(الزاهد، العابد، القدري، كبير المعتزلة) ومع ذلك اتهموه فى الأحاديث التى لا يؤمن بها اصلا ،فقال عنه ابن المبارك (دعا إلى القدر فتركوه . ) وقال عنه حفص بن غياث( ما لقيت أزهد منه، وانتحل ما انتحل .) اى ان ذنبه عندهم هو قوله بالقدر أى مسئولية الانسان عن أفعاله دون التمسح بالقضاء و القدر والجبرية .

وبسبب استقلاليته وحبه للسلم وزهده فى الدنيا اكتسب عمرو بن عبيد احترام جبار بنى العباس أبى جعفر المنصور فمدحه محتقرا لفقهاء عصره المنافقين المتكالبين على عطاء السلطان.

وننقل بعض ما أورده ابن الجوزى ( المؤرخ المحدث الحنبلى) فى تاريخ عمرو بن عبيد ، قال عنه : (عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان .. كان عمرو يسكن البصرة وجالس الحسن البصري ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنة فقال بالقدر ودعا إليه واعتزل أصحاب الحسن وكان له سمت وإظهار زهد ..‏.)

ويحكى ابن الجوزى رواية يتضح فيها أن ابا جعفر المنصور كان صاحبا لعمرو فى رحلة طلب العلم قبل ان تختلف بهما الأحوال ، وأن الخليفة الجبار الذى قتل و اغتال كل من يخشى منه على سلطانه عرف أن محمدا النفس الزكية الثائر على الدولة العباسية وقتها كان قد أرسل رسالة الى عمرو ، وهو يعرف أن عمرا لا شأن له بالصراع السياسى وهو يؤمن بعدم اللجوء للعنف ، لم يسترح ابو جعفر المنصور إلا بأن يتحقق بنفسه و يتكلم مع صديقه القديم الزاهد فى الدنيا ، وهكذا بعث له يستدعيه ،فأتى عمرو بن عبيد راكبا حماره ، ودخل به الى فسطاط الخليفة دون أن يأبه بأصول (البروتوكول ) مما أفزع رجال البلاط العباسى ، ثم إزداد فزعهم حين رأوا الاذن يأتى مسرعا لذلك الرجل رث الهيئة لكى يدخل قبلهم للقاء المنصور ، ثم كانت دهشة حاجب المنصور نفسه وهو يحكى كيف استعد المنصور للقاء عمرو ، وكان المهدى ولى العهد مع أبيه المنصور ، فأسرع المنصور بابنه وجلسا على حصير على الأرض ليبدو الأمر أكثر تواضعا وأكثر مناسبة لما يحبه عمرو ، وأخذ الخليفة يتحبب له بالقول ويدنو اليه ويسأله عن عياله فردا فردا رجلا وامرأة ..

ونتابع القصة مع ابن الجوزى ( ‏....طلع عمرو بن عبيد على حمار فنزل عن حماره ونحى البساط برجله وجلس دونه ... ما هو إلا أن سمع أمير المؤمنين بمكانه فما أمهل حتى أمر بمجلس ففرش لبودًا ثم انتقل هو و المهدي وكان على المهدي سواده وسيفه، ثم أذن له فلما دخل عليه بالخلافة فرد عليه ومازال يدينه حتى أتكأه على فخذه وتحفى به، ثم سأله عن نفسه وعن عياله يسميهم رجلًا رجلًا وامرأة امرأة، ثم قال‏:‏ يا أبا عثمان عظني‏.‏ فقال‏:‏ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم‏:‏ ‏"‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏{‏والفجر وليال عشر .. السورة .. )ثم قال للخليفة : ( إن ربك يا أبا جعفر لبالمرصاد‏.‏ قال‏:‏ فبكى بكاءً شديدًا كأنه لم يسمع تلك الآيات إلا في تلك الساعة وقال‏:‏ زدني‏.‏ فقال‏:‏ إن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها واعلم أن هذا الأمر الذي صار إليك إنما كان في يد من قبلك ثم أفضى إليك وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك وإني أحذرك ليلة تمخض صبيحتها عن يوم القيامة‏.‏

قال‏:‏ فبكى والله أشد من بكائه الأول حتى جف جفناه‏.‏ فقال له سليمان ابن خالد‏:‏ رفقًا بأمير المؤمنين قد أتعبته اليوم ، فقال له عمرو‏:‏ بمثلك ضاع الأمر وانتشر ، لا أبالك ! وماذا خفت على أمير المؤمنين أن بكى من خشية الله عز وجل ؟ فقال له أمير المؤمنين‏:‏ يا أبا عثمان أعنّي بأصحابك أستعن بهم‏.‏ قال‏:‏ أظهر الحق يتبعك أهله‏.‏ قال‏:‏ بلغني أن محمد بن عبد الله بن حسن كتب إليك كتابًا‏.‏ قال‏:‏ قد جاءني كتاب يشبه أن يكون كتابه‏.‏ قال‏:‏ فيم أجبته قال‏:‏ أوليس قد عرفت رأيي في السيف أيام كنت تختلف إلينا ؟( أى تأتى الينا ) إني لا أراه .قال‏:‏ أجل ولكن تحلف لي ليطمئن قلبي‏.‏ قال‏:‏ لئن كذبتك تقية لأحلفن لك بقية‏.‏ قال‏:‏ أنت والله الصادق البر‏.‏ ثم قال‏:‏ قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم تستعين بها على سفرك وزمانك‏.‏ قال‏:‏ لا حاجة لي فيها‏.‏ قال‏:‏ والله لتأخذنها‏.‏ قال‏:‏ والله لا آخذها‏.‏ فقال له المهدي‏:‏ يحلف أمير المؤمنين وتحلف‏!‏ فترك المهدي وأقبل على المنصور وقال‏:‏ من هذا الفتى ؟ قال‏:‏ هذا ابني محمد هو المهدي وولي العهد‏.‏ قال‏:‏ والله لقد أسميته اسمًا ما استحقه عمله، وألبسته لباسًا ما هو من لبس الأبرار، ولقد مهدت له أمرًا أمتع ما يكون به وأشغل ما يكون عنه‏.‏ ثم التفت إلى المهدي وقال له‏:‏ يا ابن أخي إذا حلف أبوك حلف عمك لأن أباك أقدر على الكفارة من عمك‏.‏ ثم قال‏ : يا أبا عثمان هل من حاجة؟ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ وما هي ؟ قال‏:‏ لا تبعث إلي حتى آتيك‏.‏ قال‏:‏ إذًا لا تأتيني‏.‏ قال‏:‏ عن حاجتي سألتني‏.‏ قال‏:‏ فاستحفظه الله وودعه ونهض ، فلما ولى أمده ببصره وهو يقول : كلكم يمشي رويد كلكم يطلب صيد غير عمرو بن عبيد ) ثم قال ابن الجوزى معلقا : ( تكلم العلماء في عمرو بن عبيد لأجل مذهبه في القدر وكذبه جماعة منهم في حديثه) أى اتهموه وكذبوه لأنه كان قدرى المذهب (المنتظم 8 / 58 : 61 )

هذا الرجل الذى ظلمه عصره ، كان الامام مسلم من اوائل من اتهمه وهاجمه .. ‏

ومع أن معظم الاتهامات الموجهة لعمرو بن عبيد تشى بعدم اهتمامه بالحديث وتكذيبه له إلا إن بعضهم واصل الافتراء عليه بزعم أنه يكذب فى الحديث؛ يقول مسلم : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ .

ويكرر مسلم الاتهام فى رواية اخرى تضيف السب و الشتم : (حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَبُو حَفْصٍ، قَالَ سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ مُعَاذٍ، يَقُولُ قُلْتُ لِعَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا ‏"‏ قَالَ كَذَبَ وَاللَّهِ عَمْرٌو وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَبِيثِ ‏.‏ )

وهنا رواية تؤكد انهم كانوا يصرفون الناس عن الاجتماع بعمرو بن عبيد ، يقول مسلم (وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ كَانَ رَجُلٌ قَدْ لَزِمَ أَيُّوبَ وَسَمِعَ مِنْهُ فَفَقَدَهُ أَيُّوبُ فَقَالُوا يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ قَدْ لَزِمَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ ‏.‏ قَالَ حَمَّادٌ فَبَيْنَا أَنَا يَوْمًا مَعَ أَيُّوبَ وَقَدْ بَكَّرْنَا إِلَى السُّوقِ فَاسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَيُّوبُ وَسَأَلَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيُّوبُ بَلَغَنِي أَنَّكَ لَزِمْتَ ذَاكَ الرَّجُلَ ‏.‏ قَالَ حَمَّادٌ سَمَّاهُ ‏.‏ يَعْنِي عَمْرًا ‏.‏ قَالَ نَعَمْ يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ يَجِيئُنَا بِأَشْيَاءَ غَرَائِبَ ‏.‏ قَالَ يَقُولُ لَهُ أَيُّوبُ إِنَّمَا نَفِرُّ أَوْ نَفْرَقُ مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِبِ ‏.‏)

اتهام الخوارج

يقول مسلم : (حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، - وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ - قَالَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، قَالَ كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيْفَاعٌ فَكَانَ يَقُولُ لَنَا لاَ تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ غَيْرَ أَبِي الأَحْوَصِ وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا ‏.‏ قَالَ وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْىَ الْخَوَارِجِ وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ ‏.‏)

كان القصص مجال اختراع الحكايات والأقاويل ، وهى التى تم نسبتها و اسنادها للنبى فيما بعد وتأسست عليها أديان المسلمين الأرضية ، ما اندثر منها و ما بقى. ولقد تبارى دعاة كل دين وفرقة الى بث ونشر أفكارهم عن طريق القصص ، وبالتالى كانت ميدان حرب فكرية بين أصحاب الديانات المتنازعة ، ومن هنا نفهم تحذير رواة الدين السنى من بعض القصاص المنتمين الى دين الخوارج ، ومنهم هنا شقيق.

اتهام الشيعة

والشيعة بالذات كانوا ـ ولا يزالون ـ أشد الناس عداءا للدين السنى ، والحرب الفكرية بينهما عبر القصص و الأحاديث تستحق مجلدات ، وفى مقدمة مسلم بعض شظايا هذه الحرب.

يقول مسلم : (وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ سَمِعْتُ رَجُلاً، سَأَلَ جَابِرًا عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ ‏{‏ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ‏}‏ فَقَالَ جَابِرٌ لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ ‏.‏ قَالَ سُفْيَانُ وَكَذَبَ ‏.‏ فَقُلْنَا لِسُفْيَانَ وَمَا أَرَادَ بِهَذَا فَقَالَ إِنَّ الرَّافِضَةَ تَقُولُ إِنَّ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ فَلاَ نَخْرُجُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ ‏.‏ يُرِيدُ عَلِيًّا أَنَّهُ يُنَادِي اخْرُجُوا مَعَ فُلاَنٍ ‏.‏ يَقُولُ جَابِرٌ فَذَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الآيَةِ وَكَذَبَ كَانَتْ فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ صلى الله عليه وسلم ) الرافضة هم الشيعة .

يقول مسلم : (حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ لَمَّا أَحْدَثُوا تِلْكَ الأَشْيَاءَ بَعْدَ عَلِيٍّ - رضى الله عنه - قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَىَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا ‏.‏ ) الأعمش كان من أكبر رواة الدين السنى فى عصر ابى جعفر المنصور ، وكان من أصحابه ، يخترع له الأقاويل وينسبها تارة للنبى محمد وتارة لابن عباس أو لبقية الصحابة. وهو هنا يسند قولا الى أحدهم يلعن الشيعة و يتهمهم بأنهم أفسدوا الأحاديث بعد موت الامام على بن أبى طالب.

وكان الشيعة مهرة فى تزييف الأحاديث ( الشيعية ) و نسبتها لرواة من أهل السنة مما حدا بالأعمش الى اختراع هذا الحديث يلعن فيه أولئك الشيعة: ( قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَىَّ عِلْمٍ أَفْسَدُوا ‏.‏ ) وبسبب الروايات الشيعية الكثيرة التى تسللت الى الدين السنى فقد قام بعض محققى الدين السنى بفحص الأمر وأدلى بعضهم بفتوى رواها مسلم كأنها حديث ، يقول ( حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ، - يَعْنِي ابْنَ عَيَّاشٍ - قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ، يَقُولُ لَمْ يَكُنْ يَصْدُقُ عَلَى عَلِيٍّ - رضى الله عنه - فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ إِلاَّ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ‏.‏)

وبعض الشيعة تنكر وجعل نفسه راويا سنيا داخل أهل السنة ، ثم اكتشفوا أمره حين زل لسانه وقام بلعن ابى بكر وعمر ، فأعلن ابن المبارك ـ أحد محققى الدين السنى فى العصر العباسى الأول ـ التحذير من الرواية عنه. يقول مسلم فى صيغة حديثية : (وَقَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ شَقِيقٍ، يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ ‏.)‏

وتوالت اكتشافات مؤلمة لأصحاب الدين السنى ثبت فيها أن كثيرين من رواتهم شيعة متنكرون ، كان منهم جابر بن يزيد الجعفى ، الذى ثبت لديهم أنه كان يؤمن بالرجعة ، أى رجعة (على) أى عودته بعد موته وفقا لما قالته السبأية الأولى . يروى مسلم : ( حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرًا، يَقُولُ لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِيَّ فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ ‏.‏).

وهناك حديث آخر يقول : (وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ كَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ عَنْ جَابِرٍ، قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ، مَا أَظْهَرَ فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ اتَّهَمَهُ النَّاسُ فِي حَدِيثِهِ وَتَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ فَقِيلَ لَهُ وَمَا أَظْهَرَ قَالَ الإِيمَانَ بِالرَّجْعَةِ )

أى عندما اتهموه فى ( دينه السنى ) تحاشاه الناس وتركوا الرواية عنه. وكانوا من قبل يروون عنه. وهناك رواية أخرى فيها يقول مسلم : (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ، قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، مَا أَحْدَثَ ‏.‏) أى قبل أن يرتكب ما ارتكب.

وهناك شخص آخر ٍٍٍٍٍٍاسمه الحارث اكتشفوا امره ، يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، - وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ - حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ الْحَارِثَ، اتُّهِمَ )‏.‏وقد اتهموه بتهم خطيرة

يقول مسلم : ( وَسَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ، مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الرَّازِيَّ قَالَ سَأَلْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَقُلْتُ الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ لَقِيتَهُ قَالَ نَعَمْ ‏.‏ شَيْخٌ طَوِيلُ السُّكُوتِ يُصِرُّ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ‏.‏) ويبدو أنه كان خطيرا إذ حاولوا قتله ، يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، قَالَ سَمِعَ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ، مِنَ الْحَارِثِ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ اقْعُدْ بِالْبَابِ ‏.‏ قَالَ فَدَخَلَ مُرَّةُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ - قَالَ - وَأَحَسَّ الْحَارِثُ بِالشَّرِّ فَذَهَبَ ‏.‏).

ولا يزال الحارث بن حصيرة أهم رواة التراث السنى و الشيعى حتى الآن.

استخدام الغيب فى اتهام الآخرين بالكذب :

الاعجوبة هنا أن تتهم كذبا الآخرين بالكذب . وقد حقق السنيون الأوائل هذه الاعجوبة بأن افتروا أحاديث جعلوا فيها النبى يتنبأ بمجىء اناس فى المستقبل يكذبون فى الأحاديث ، وأنه لا بد من اجتنابهم . ومعلوم ان النبى محمدا عليه السلام لا يعلم الغيب و ليس له أن يتحدث فى غيوب المستقبل والماضى وما كان معاصرا له . ولكنهم فى تناقضهم مع القرآن ارتكبوا الأعاجيب ومنها تلك الاعجوبة.

يقول مسلم (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ ‏"‏ سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ ) هنا تكذيب وتحذير من الأفاكين ، وهو ينطبق عليهم قبل غيرهم ـ لو كان صحيحا ـ ولكن النبى محمدا عليه السلانم لا يعلم الغيب.‏ ‏.‏

يقول مسلم يكرر نفس الحديث السابق ويؤكده : (وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرَانَ التُّجِيبِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو شُرَيْحٍ، أَنَّهُ سَمِعَ شَرَاحِيلَ بْنَ يَزِيدَ، يَقُولُ أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ لاَ يُضِلُّونَكُمْ وَلاَ يَفْتِنُونَكُمْ ‏"‏ ) ‏.‏

ثم يتطور الكذب فينسبون معرفة الغيب للصحابة ايضا ـ بعد وفاتهم ـ فينسبون حديثا لعبد الله (ابن مسعود ) هو من الأعاجيب المضحكة ،إذ جعلوا الشيطان يتجسد فى صورة شخص آدمى ليحدثهم بأحاديث كاذبة ، يقول مسلم ـ بدون خجل ـ : ( وَحَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبَدَةَ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ فَيَأْتِي الْقَوْمَ فَيُحَدِّثُهُمْ بِالْحَدِيثِ مِنَ الْكَذِبِ فَيَتَفَرَّقُونَ فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ سَمِعْتُ رَجُلاً أَعْرِفُ وَجْهَهُ وَلاَ أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ ‏.‏)

ونسبوا كذبة أخرى لعبد الله بن عمرو ابن العاص ، يقول مسلم : ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ إِنَّ فِي الْبَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا ‏.‏) فمن الذى أعلم ابن عمرو بن العاص أن سليمان سجن شياطين فى البحر، وأن موعد إطلاقها قد أوشك ، وأنها ستقرأ قرآنا ؟ وهل هو نفس القرآن أم قرآن آخر ؟ و لقد مرت على موت ابن عمرو قرون فهل لا زالت تلك الشياطين مسجونة لم يأت بعد أوان الافراج عنها ؟ وفى أى بحر هى مسجونة ؟ هل هو بحر قزوين أم البحر الأحمر أم البحر الأسود أم البحر الميت ؟ أم أنه قد تم إطلاق سراحها فآثرت السلامة؟؟.. هى خرافات تحظى بالتقديس ، أما إذا ناقشتها بالعقل أصبحت كمن يسخر منها ..

ونلتقى فى الحلقة السادسة بعونه جل وعلا.

انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 4 من 8 )

د. أحمد صبحي منصور

الاسناد

إختراع الإسناد فى حد ذاته يؤكد وجود دين جديد قائم على الكذب . فهو شىء جديد مبتدع لم يعرفه عصر النبى محمد عليه السلام ، وهم أنفسهم يمنعون الابتداع فى الدين ويرون كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار، أى أن كل شىء لم يعرفه عصر النبوة فهو بدعة وضلالة وتنتمى الى النار. ولو طبقنا هذا المقياس لألقينا فى النار معظم ثوابت الأديان الأرضية للمسلمين ،لأن كلها مستحدث لم يعرفه عصر النبى محمد عليه السلام بدءا من الاسناد فى الحديث الى كتابة الحديث الى الحج الى المدينة بزعم زيارة قبر النبى محمد و اعتبارها حرما الى إقامة أضرحة مقدسة و إنشاء أحكام فقهية و تشريعات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان .

More...

ونتوقف مع الاسناد الذى ابتدعوه ليعطى شرعية وصدقية وثقة فى الأحاديث المنسوبة إعتباطا للنبى محمد عليه السلام ، فأرادوا تأكيد ضبط نسبتها له عن طريق الزعم بأن رواة رووها بالتسلسل عبر الزمن من عهدهم الى عهد النبى محمد . ولأن صناعة هذا الاسناد جاءت فى العصر العباسى فقد كان لزاما على كل راوية للحديث أن يصنع له سلسلة من الرواة الموتى الذين ماتوا من قبل فى العصر العباسى ثم العصر الأموى ثم عصر الراشدين والصحابة ليصل حديثه بتلك السلسلة المفتراة ويتم اسناده للنبى . وبهذه الطريقة أتموا ربط دينهم الأرضى بالنبى محمد عليه السلام بذلك الحبل الواهى المسمى بالاسناد.

ولولا ذلك الاسناد لكانت اقوالهم مجرد آراء لهم تدخل فى إطار ثقافة عصرها و ضمن اجتهادات المسلمين و لا تعد دينا ارضيا ، فالاسناد للنبى جعلها وحيا ودينا ، ورأينا كيف أنهم يجعلونها ـ الأحاديث ـ ويجعلونه ـ الاسناد ـ دينا.

يقول مسلم ( حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ ‏.‏)

هنا قول لأحدهم يوضح كيف نشأ الاسناد . هو قول لم يقله النبى أو أبو بكر أو عمر أو عثمان أوعلى أو حتى ابن عباس. ولكن يزعم الراوى أن قائله هو محمد بن سيرين ، أحد كبار الموالى العلماء فى العصر الأموى. وهو قول خاطىء تاريخيا ، فهو يقول انه لما وقعت الفتنة اخترعوا الاسناد حتى لا يروى احدهم عن اهل البدع . والثابت تاريخيا ان الفتنة الكبرى لم تشهد تدوينا و إسنادا ولم يكن هناك وقت لهذا أو ذاك . فلم يعرف التدوين والاسناد إلا فى العصر العباسى ، والدليل أن هذا القول الذى رواه مسلم يحمل مصطلحات العصر العباسى مثل قوله ( أهل السنة ) ( أهل البدع ).

ولكن المهم هنا أن الاسناد فى حد ذاته بدعة سواء حدث بعدالفتنة الكبرى بيوم أو بعدها بقرن ، والأهم هنا أن الاسناد جىء به لتأمين الحديث من الكذب و الكذابين الذين أسموهم بأهل البدع ، أى كان الكذب موجودا فى الحديث قبل اختراع الاسناد ، والأكثر أهمية فى أنهم يتهمون مقدما خصومهم باهل البدع و يدعون لترك حديثهم ، أى جعلوا معيارا لقبول الحديث هو ليس صدقه فى حد ذاته وانما شخص قائله، فان كان معنا فهو من (اهل السنة ) وهو ثقة وصادق فى كل ما يقوله ، أما إن كان شيعيا أو قدريا أو مرجئة أو خارجيا فهو من أهل البدع لا يؤخذ عنه مهما قال.

ويقول مسلم (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، - مِنْ أَهْلِ مَرْوَ - قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَانَ بْنَ عُثْمَانَ، يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ ‏.‏ )

قوله (الإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ )أى بهذا الاسناد البدعة وبذلك المعيار المتعصب الحزبى تم إنشاء الدين السنى مواجها الأديان الأرضية الأخرى المنافسة له. أما قوله (وَلَوْلاَ الإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ ‏.‏ ) فهو زعم كاذب لأن الاسناد لم يمنع الكذب بل قام بتوثيقه وحمايته ، بدليل كل تلك الأكاذيب التى ذكرها مسلم وكلها مسندة. ويكفى أنه كان فى عصر مسلم 300 ألف حديث مسندة انتقى منها ما رآه صحيحا من وجهة نظره .

ولأن الاسناد عند اهل السنة جاء معبرا عن الخصومة بين دين السنة والأديان الأخرى فقد كان الاسناد ميدان الصراع بين الفرقاء، بمعنى أن الشيعة أسندوا أحاديثهم أيضا لآل البيت و أئمتهم ، و بدأ الصراع الفكرى ،

يقول مسلم ( َقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْقَوَائِمُ ‏.‏ يَعْنِي الإِسْنَادَ ‏.‏) أى هى مبارزة فكرية ، هذا يقول رواتى هم الأوثق ، ويطعن هذا فى رواة ذاك .. وهكذا ..!!

ومن الطبيعى ان يؤيد كل فريق رواته ويجعلهم ثقاة ، فى الوقت الذى يطعن فيه فى رواة الأديان الاخري ، يقول مسلم ( حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاَّدٍ الْبَاهِلِيُّ، - وَاللَّفْظُ لَهُ - قَالَ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، عَنْ مِسْعَرٍ، قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ الثِّقَاتُ ‏.‏) فهذا القائل سعد بن ابراهيم يضع شرطا فيمن يحدث عن النبى ممد عليه السلام ، ان يكون ثقة أى من (أهل السنة ).

ولكن هل كانوا كلهم ثقة بالمعيار السنى نفسه كى يتحقق هذا الشرط ؟

وماذا نفعل بمئات الألوف من الأحاديث التى ألقاها البخارى ومسلم والحاكم وغيرهم ، كلها رواها ثقاة أهل السنة وأجازها بعضهم و نفاها آخرون ؟

أى إن تحديد الثقة هنا امر شخصى نسبى حتى فى داخل أهل الدين الأرضى الواحد لأن أساس دينهم هو الهوى والكذب.

ولأنها أحكام شخصية فالاختلاف ليس فقط فى أحاديث البخارى ومسلم وأحمد و النسائى و .. ولكن فى دائرة اضيق ، بين الرواة الأقل شهرة أو الذين لا إسم لهم معروفا بين أهل الحديث ، يقول مسلم ( حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، كِلاَهُمَا عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ كُنَّا عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ فَحَدَّثَ رَجُلٌ، عَنْ رَجُلٍ، فَقُلْتُ إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِثَبْتٍ ‏.‏ قَالَ فَقَالَ الرَّجُلُ اغْتَبْتَهُ ‏.‏ قَالَ إِسْمَاعِيلُ مَا اغْتَابَهُ ‏.‏ وَلَكِنَّهُ حَكَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ ‏.‏ ) أى دافع أحدهم عن الراوى المتهم بأن إتهم رفيقه بأنه إغتاب الراوى..

وتتضح البلوى اكثر عندما نتوقف مع احاديث أخرى لمسلم توضح اتخاذ الاسناد مطية للكذب .

الكذب فى الاسناد

الحقيقة التى يرفض أصحاب الديانات الأرضية تصديقها أن الاسناد مصنوع ، صنعه أول من كتبه ودونه. كانت هناك روايات شفهية متناقلة ومتوارثة تقال فى المساجد ومجالس القصاص ، ثم رأوا أن يجعلوا لها اسنادا يصلها بالنبى محمد بعد موته بقرنين وأكثر من الزمان . ووقع عبء صناعة هذا الاسناد على من قام بكتابة تلك الروايات الشفهية وغيرها ، ومن الطبيعى أن يزعم أنه قابل فلانا الذى روى له عن فلان الثانى الذى قال انه سمع من فلان الثالث ان فلانا الرابع قابل فلانا الخامس فحكى له ان فلانا السادس سمع الصحابى فلانا يرون عن النبى انه قال كذا.

مخترع الاسناد الذى اخترع ان فلانا الأول روى له كذا قد يشاء سوء حظه أن يختار إسما يكون صاحبه قد مات قبله بعشرات السنين ، وقد يكون صحابيا أو تابعيا ، فكيف يقابل شخص فى العصر العباسى شخصا آخر مات فى العصر الأموى أو من الصحابة ؟ هى أخطاء وقع فيها الجهلاء من الرواة الذين لا يعرفون إذا كان فلان هذا ـ الذى يزعمون مقابلته والرواية عنه ـ من الصحابة ام من التابعين أم من معاصرى الخلافة العباسية .

وهناك كذابون محترفون عالمون بالتاريخ وأسماء الصحابة ومشاهير التابعين فوضعوا الأسماء مرتبة حسب الزمان فبدا الكذب مقنعا ، وبالتالى توجه بعض أولئك المحترفين الى الجهلة الاخرين ينتقدونهم فى خلط الأسماء و الأزمان والزعم بمقابلة فلان الذى مات من قرن مضى..

ونعطى التفاصيل من مسلم نفسه ، وقد كان أحد أولئك الكذبة الحاذقين .

اسناد الحديث الواحد لأكثر من شخص متهمين بالكذب

يقول مسلم ( وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، ‏.‏ وَذَكَرَ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَقَالَ حَلَفْتُ أَلاَّ أَرْوِيَ عَنْهُ شَيْئًا وَلاَ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَحْدُوجٍ ‏.‏ وَقَالَ لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ مُوَرِّقٍ ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنِ الْحَسَنِ ‏.‏ وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ ‏.‏ قَالَ الْحُلْوَانِيُّ سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ وَذَكَرْتُ عِنْدَهُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ فَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ ) هنا حديث واحد ولكن رواه اكثر من واحد بأسانيد مختلفة وكلها كاذبة.

الخلط فى أسماء الرواة

ويقول ( وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ بَعْضَ، أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ نِعْمَ الرَّجُلُ بَقِيَّةُ لَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ يَكْنِي الأَسَامِيَ وَيُسَمِّي الْكُنَى كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ)

كان للشخص الواحد اسم مثل (حماد ) ويكون له لقب مثل ( الدباغ ) ويكون له كنية مثل ( أبى العلاء ) ، وكلها من اسم ولقب وكنية تدل على شخص واحد . وكان هذا معتادا من العصر النبوى الى العصر المملوكى.

وأوقعت هذه العادة صناع الاسناد فى محنة ، ففى بحثهم عن اسماء الرواة المشهورين السابقين الموتى من قبل ، وأسماء الصحابة والتابعين وقعوا فى الخلط بين الأسماء و اللقاب و الكنى . وهو باب طويل أشار اليه مسلم فى الحديث السابق.

الخلط فى اسناد الحديث الواحد لرواة مختلفين

( قَالَ وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيَّ، يَقُولُ رَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَفَّانَ حَدِيثَ هِشَامٍ أَبِي الْمِقْدَامِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يَحْيَى بْنُ فُلاَنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ قُلْتُ لِعَفَّانَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ هِشَامٌ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ ‏.‏ فَقَالَ إِنَّمَا ابْتُلِيَ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ يَقُولُ حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ). والخلط هنا واضح بين الرواة حتى يتعذر فهم الرواية نفسها .

الكذب عمدا فى اسماء الرواة فى سلسلة الاسناد

يقول مسلم ( حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ أَخْبَرَنِي خَلِيفَةُ بْنُ مُوسَى، قَالَ دَخَلْتُ عَلَى غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَىَّ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، فَأَخَذَهُ الْبَوْلُ فَقَامَ فَنَظَرْتُ فِي الْكُرَّاسَةِ فَإِذَا فِيهَا حَدَّثَنِي أَبَانٌ عَنْ أَنَسٍ وَأَبَانٌ عَنْ فُلاَنٍ فَتَرَكْتُهُ وَقُمْتُ )

هنا رجل يصنع أسانيد كما يحلو له ـ شأن كل من بدأ تدوين الأحاديث ، وهو يغير الأسماء كيف شاء ، فهو المؤلف الأصلى الذى لا رقيب عليه ، بل ويصدق الناس كل ما يكتبه ،لولا أن أوقعه سوء حظه فى تلميذ مشاغب اكتشف انه يبدل أسماء الرواة فى الاسناد.

الزعم بمقابلة التابعين بعد موت التابعين

يقول مسلم ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالاَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ قَالَ مَعْمَرٌ مَا رَأَيْتُ أَيُّوبَ اغْتَابَ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ - يَعْنِي أَبَا أُمَيَّةَ - فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ لِعِكْرِمَةَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ ‏.‏ )

عكرمة ( ت 105 ) هو مولى وتلميذ ابن عباس ( ت 68 )، ومن أعيان الموالى العلماء فى العصر الأموى. وامتدت شهرة عكرمة الى العصر العباسى حيث كان تلميذ ابن عباس جد الدولة العباسية . وأصبحت الرواية عن عكرمة مطلوبة للشهرة ، لذا جاء هذا الشخص (عبد الكريم :أبو أمية ) الى ايوب السختيانى وكان تلميذا لعكرمة يسأل عن عكرمة وحديثه ، ثم بدأ بعدها عبد الكريم هذا يزعم أنه تتلمذ على يد عكرمة وسمع منه ويروى عنه ، وظل هكذا يروى عن عكرمة حتى وصل خبره الى ايوب السختيانى .

الزعم بمقابلة الصحابة بعد موت الصحابة

يقول مسلم : ( حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى فَجَعَلَ يَقُولُ حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ، قَالَ وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، ‏.‏ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ فَقَالَ كَذَبَ مَا سَمِعَ مِنْهُمْ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلاً يَتَكَفَّفُ النَّاسَ زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ ).

أبو داود الأعمى هو أبو داود نفيع بن الحارث الأعمى الهمداني أحد مشاهير الرواة الكاذبين ، وسبب شهرته زعمه بأنه لقى الصحابة وروى عنهم ، مع الفارق الزمنى بينه وبينهم.

وفى الحديث السابق يزعم ابو داود الأعمى انه سمع ولقى اثنين من الصحابة ، أحدهما البراء ابن عازب المتوفى عام 72 ، وقد كان غلاما وقت غزوة بدر ، والاخر يقاربه فى العمر وهو زيد بن أرقم المتوفى بالكوفة عام 68 . وقد سئل قتادة بن دعامة السدوسى عن الراوى أبى داود الأعمى فقال عنه انه ما سمع من احد منهم . قتادة هذا هو كبير العلماء فى اواخر العصر الأموى وقد عاش فيما بين ( 60 ـ 118 ) ولقى فى صباه بعض المعمرين من الصحابة وسمع من الحسن البصرى (ت 110 ) أشهر علماء التابعين .

وهناك رواية اخرى أكثر تفصيلا عن هذا الراوى (أبو داود الأعمى ) وموقف قتادة منه وتكذيبه له ، يقول مسلم (وَحَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ، قَالَ دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ الأَعْمَى عَلَى قَتَادَةَ فَلَمَّا قَامَ قَالُوا إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا ‏.‏ فَقَالَ قَتَادَةُ هَذَا كَانَ سَائِلاً قَبْلَ الْجَارِفِ لاَ يَعْرِضُ فِي شَىْءٍ مِنْ هَذَا وَلاَ يَتَكَلَّمُ فِيهِ ‏.‏ فَوَاللَّهِ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً ‏.‏ وَلاَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً إِلاَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ‏.)‏

فهنا يؤكد قتادة ان الحسن البصرى لم يرو أى حديث عن أى صحابى شهد بدرا سوى سعد ابن مالك ، فكيف بأبى داود الأعمى الذى لم يقابل الحسن البصرى ؟ .

يقول مسلم (وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، قَالَ قُلْتُ لأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ قَدْ أَكْثَرْتَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ فَمَا لَكَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَطَّارَةِ الَّذِي رَوَى لَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ لِيَ اسْكُتْ فَأَنَا لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فَسَأَلْنَاهُ فَقُلْنَا لَهُ هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي تَرْوِيهَا عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ أَرَأَيْتُمَا رَجُلاً يُذْنِبُ فَيَتُوبُ أَلَيْسَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ قُلْنَا نَعَمْ ‏.‏ قَالَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَنَسٍ مِنْ ذَا قَلِيلاً وَلاَ كَثِيرًا إِنْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ النَّاسُ فَأَنْتُمَا لاَ تَعْلَمَانِ أَنِّي لَمْ أَلْقَ أَنَسًا ‏.‏ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فَبَلَغَنَا بَعْدُ أَنَّهُ يَرْوِي فَأَتَيْنَاهُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ أَتُوبُ ‏.‏ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُحَدِّثُ ‏.‏ فَتَرَكْنَاهُ ‏.‏ )

هنا رجل يزعم كذبا أنه لقى الصحابى أنس بن مالك ، وكلما ووجه بالتكذيب والانكار عليه يعترف بالكذب ويتوب ، ثم يعود مرة أخرى يزعم أنه يروى عن أنس .. ويأس منه ناصحوه وتركوه يروى كما شاء.

‏يقول مسلم ( وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، ‏.‏ وَذَكَرَ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ فَقَالَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ، قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ ‏.‏ فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ )

اى ان هذا الرجل أبو وائل يحكى أنه شهد معركة صفين واشتراك عبد الله بن مسعود فيها . وتندر الذى يروى عنه فقال ساخرا ( أَتُرَاهُ بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ ) اى يتساءل ساخرا إن كان ابن مسعود قد بعث من قبره ليشترك فى هذه الحرب؟

فالمعروف أن عبد الله بن مسعود مات بالمدينة عام 32 هجرية فى خلافة عثمان ، و جاءت خلافة على بن أبى طالب ، وحدثت موقعة صفين عام 39 . الراوى أبو وائل لا يعرف هذا فزعم أنه كان حاضرا موقعة صفين وذكر أن ابن مسعود حضرها ايضا. وكان سهلا كشف هذا الكذب لأن موقعة صفين من الصعب نسيانها بين الحاذقين من الرواة ، وكذلك حياة وموت ابن مسعود.

يقول مسلم : ( َقَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، إِبْرَاهِيمَ بْنَ عِيسَى الطَّالَقَانِيَّ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ ‏"‏ إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لأَبَوَيْكَ مَعَ صَلاَتِكَ وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ ‏"‏ ‏.‏ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَا أَبَا إِسْحَاقَ عَمَّنْ هَذَا قَالَ قُلْتُ لَهُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ ‏.‏ فَقَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قَالَ قُلْتُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ ‏.‏ قَالَ ثِقَةٌ عَمَّنْ قَالَ قُلْتُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قَالَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلاَفٌ ‏.‏)

هنا حديث يزعم راويه شهاب بن خراش أنه سمعه من الحجاج بن دينار ، ويزعم ان الحجاج ابن دينار قد سمعه من النبى محمد . ولقد كان الحجاج بن دينار كثير الرواية ومن فقهاء التابعين ومعاصرا لابى حنيفة (150 ). ولم يشهد أحدا من الصحابة فكيف يروى عن النبى محمد رأسا ؟ لذا قال ابن المبارك معلقا على هذه الكذبة (إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ ).

وبغض النظر عن هذه الأكاذيب الظاهرة الفجة فقد سكتوا عن الكذب الأصلى فى الاسناد ، والذى روعي فيه وجود رواة مرتبين زمنيا يروى هذا عن ذاك فى زمن متسلسل ، كأنما ركب مخترع الاسناد عربة الزمن وسافر فيها عائدا الى الماضى من وقته الى عصرالنبى محمد عليه السلام يوزع فيها الأدوار والأقوال لكى يسند دينه الأرضى المتهالك ويثبته فى حائط الاسلام دين الله الحق.

والى اللقاء فى الحلقة الخامسة .

الأحد، ٢٧ يناير ٢٠٠٨

نفاق المسلمين بشأن تدنيس القرآن

بقلم مالك مسلماني (من موقع الناقد: http://www.annaqed.com )

عندما تناقلت وسائل إعلامية نبأ تدنيس القرآن، خرج المسلمون في أرجاء مختلفة من العالم الإسلامي إلى الشوارع في مظاهرات غاضبة، أدّى بعضها إلى سقوط قتلى وجرحى كما حصل على سبيل المثال في أفغانستان حيث كانت نتيجتها 17 قتيلاً.

More...

بضع كلمات وردت في خبر صغير نشرته مجلة نيوزويك الأمريكية (1) كانت وراء هذه المشاعر الملتهبة التي عمت جماهير المسلمين في الدول العربية وغير العربية. لكنّ مكمن الخطورة لم يكن في الخبر بحد ذاته ـ بغض النظر عن درجة موثوقية الخبر ـ بل في ردة الفعل الإسلامية الجماهيرية تلك التي نجمت عنه. فالغضب الذي أدى لمقتل مسلمين يؤشر إلى البعد اللاعقلاني الذي يحكم الذهنية الإسلامية، ويؤكد درجة حضور الغريزة البدائية في تصرفات المسلمين. هذه التصرفات لن نجدها في أي بقعة من العالم الغربي الذي دخل طور ما بعد الحداثة بعد أن مرّ بمراحل ارتقائية عديدة منذ الثورة الرأسمالية؛ وقدم نقداً لما سبقه من أفكار في جميع حقول المعرفة الإنسانية، بما في ذلك حقل الدين المسيحي كما في حقل التاريخ الديني. وهكذا، فإن الغرب عندما يتعامل مع الانتهاكات التي تصيب مقدسات المؤمنين نجده يتعامل معها من موقع قانوني وحقوقي، ويحكمه العقل، لا الغرائز المنفلتة؛ بينما نرى اليوم، ومن خلال هذه المظاهرات، كيف تؤكّد طريقة التعبير الإسلامية مجدداً مدى الهوة التي تفصل بين هذين العالمين.

إن هذه الهيجانات وإذ برهنت على قوة الغريزية الغضبية في المسلم، فإنها أكدت خاصية سيكولوجية، ألاّ وهي الكراهية التي تعتمل في نفس المسلم نحو الآخر، وهذه الكراهية تجد حاضنتها في المساجد والمدارس الدينية، كما في نمط التربية الأسرية التي يتلقّاها المسلم، والمُستلهمة من التراث القتالي للمسلمين. ورغم أنه كان يتوجب على الكتاب العرب التوقف طويلاً عند هذه القضية لما تحمله من دلالة؛ إلا أنهم وللأسف قد فضلوا التنأي عن تناول هذه القضية لحساسيتها، وكونها تتعلق بقدس الأقداس لدى المسلمين. وهكذا، لم نجد من المواد النقدية إلاّ ما قدمه المعلقون الغربيون.

كان من الطبيعي أن يكون التعاطي الغربي مع المسألة تعاطياً نقدياً، وخصوصاً أن الغرب كان قد اختبر بنفسه تعرض مقدساته المسيحية لأشكال من التدنيس. فعندما أقيم معرضٌ للصور في الولايات المتحدة سنة 1989، وقدم فيه صورة بعنوان "Piss Christ" ؛ فإن ذلك لم يدفع الكاثوليكيين الأمريكيين للخروج إلى الشوراع والتسبب بمقتل عشرات منهم. كذلك لم يقم البوذيون بأفعال مشابهة رداً على تدمير حركة الطالبان لتمثاليْ بوذا اللذيْن يعودان لأكثر من خمس عشر قرناً(2) أي قبل ظهور الإسلام.

ومن جهة ثانية، فإن هذه القضية أخذت منحى سياسياً، إذ قامت حركات إسلامية على امتداد العالم الإسلامي بتوظيف الموضوع خدمةً لمشاريعها السياسية الخاصة بها. كما أن دولاً إسلامية عبرت عن القلق بلسان مسئولين منها، وكان هذا أيضاً ذا بعد سياسي. كان موقف الدول الإسلامية وعلى رأسها السعودية يجسد حالةً كبيرةً من الرياء السياسي، والديماغوجية الأخلاقية. وحول ذلك كتب علي الأحمد مدير المعهد السعودي في واشنطن مقالاً(3) بيّن فيه طريقة التعاطي المزدوجة والمرائية لهذه الأنظمة الإسلامية، فقال إنه كمسلم بوسعه أن يبتاع ما يشاء من نسخ القرآن في أية مدينة أمريكية، وكما أنه يستطيع دراسة القرآن في عدد لا حصر لها من الجامعات الأمريكية؛ في حين أن المسيحيين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى لا يستطيعون حيازة كتبهم المقدسة في السعودية. كما أن السلطات السعودية تمارس عملية تدنيس الكتاب المقدس وإحراقه، إذ يقوم رجال الأمن في النقاط الحدودية بمصادرته وإتلافه. دعْ عنك أن حيازة المرء للكتاب المقدس قد تعرّضه للقتل، أو الاعتقال، أو الترحيل. وهذا ما جرى مع مواطن سعودي قطع عنقه سنة (1993) بسبب قضية من هذا النوع(4) ويختم مدير المعهد السعودي مقاله بتوجيه نصيحة للمسلمين بأنهم إنْ أرادوا أن تحترم الأديان الأخرى عقائدهم وكتابهم المقدس، فعليهم أن يبدأوا بأنفسهم.

إضافة إلى ذلك، فإننا لنجد في مصادر التاريخ الإسلامي ما يؤكد أن المسلمين دنسوا، لا كتب الآخرين المقدسة فحسب، بل كتابهم المقدس نفسه؛ حيث سجلت لنا هذه المصادر حالات منظمة ومنهجية لتدنيس القرآن على يد مسلمين وفي مختلف العصور. والتدنيس الإسلامي للقرآن أكثر خطوراً لأنه في حالات كثيرة نال من النص نفسه، وبالتالي كان يعبر عن عدم إيمان مَن يعتنقون الإسلام ويظهرون الدفاع عن الإسلام.

حرق عثمان للمصاحف

أحد الأمثلة على تدنيس القرآن على يد مسلمين نجدها في السنوات الأولى التي تلت وفاة محمدٍ، فعندما بدأت الدولة الإسلامية بالتوسع خارج الجزيرة العربية، جاءت الخليفة عثمان بن عفان أنباءٌ تفيد بأن الخلاف اشتعل بين الغزاة المسلمين بشأن القرآن؛ وإنهم كانوا يقتتلون فيما بينهم بصدد صحة قراءة كل طرفٍ. لقد أُخبر بأن أهل حمص كان يقولون بأن قراءتهم هي الأفضل، وأنهم أخذوا القرآن عن المقداد؛ وكذلك قدّم أهل دمشق إدعاءً مشابهاً، وتفاقم الأمر بقول مماثل لأهل الكوفة الذين اخذوا قراءة ابن مسعود (وهو صحابي كبير المكانة المعنوية، بيدو أنه لا يتمتع بوزن اجتماعي)؛ ولم يتخلف نظراؤهم أهل البصرة بسبب من العداوة المستحكمة بين أهل المدينتين عن الإدعاء أن قراءتهم هي الأفضل، وقد كان أهل البصرة يتبعون قراءة أبي موسى، وكانوا يسمون مصحفه «لباب القلوب». ولهذا، فقد دعا عثمان إليه كبار الشخصيات، وتناقش معهم بشأن هذا الموضوع، ثم طلب من حفصة أن تسلمهم المصحف التي كانت تحتفظ به (والذي جُمع أيام أبي بكر)، لبعض الوقت من أجل الاستفادة منه في تحرير النص. وشكّل عثمان لجنة لتدوين القرآن برئاسة زيد بن ثابت وهو يثربي، كان له من العمر (11) سنة فحسب لدى وصول محمد يثرب مهاجراً.

كانت عملية التحرير مشوبة بمشاكل كبيرة، فقد قال زيد بعد انتهائه من عمله بأنه أثناء عمله على تدوين القرآن فقد آية من سورة الأحزاب كان يسمعها من محمد، فلما بحث عنها وجدها لدى خزيمة بن ثابت. أما بعض كبار الصحابة فقالوا أن النص لم يدون كله، وقالوا إن سورة الأحزاب كانت تعادل سورة البقرة طولاً. وإذا عرفنا بأن سورة البقرة مؤلفة من (286) آية، والأحزاب من (73)، فإن ضياعاً كبيراً أصاب للقرآن حسب من قال بذلك من الصحابة.

طلب عثمان من أعضاء اللجنة كتابة النص «بلسان قريش» في حال الاختلاف. وبعد أن أنجزت اللجنة مهمتها، أرسل الخليفة نسخاً إلى مختلف الأماكن، حيث كان يوجد الغزاة، وأمر بحرق النسخ الأخرى. وقد عارض أهل الكوفة ذلك معارضة كبيرةً قبول النسخة العثمانية؛ وأعلن ابن مسعود عدم اعترافه بها، ورفضه تسليم نسخته للحرق، كما أنه شكك بموثوقية تحرير نص أشرف عليه يثربي كان صغيراً أيام محمدٍ، ولم يسمع منه القرآن، على عكسه هو، إذ قال ابن مسعود إنه كان قد «أخذ» من محمدٍ سبعين سورة لما كان زيد بن ثابت صبياً بعد، وأكد بأنه لن يقبل النص العثماني. ورفض كذلك اعتبار «الفاتحة» و «المعوذتان» من القرآن. وعندما كانت يداه تقعان على نسخة من نسخ عثمان، فإنه كان يقوم بمحو هذه السّور الثلاث.

ورداً على اعتراضات صدرت من مسلمين مختلفين، فإن عثمان قال بأن المصلحة العليا اقتضت القيام بذلك؛ لأن تعدد القراءات والنسخ القرآنية صارت تشكلً خطراً على وحدة صفوف المسلمين، وأن وجودها سيحدث فرقةً بين المسلمين.

ولكن ورغم المقتضيات السياسية التي جعلت عثمان يقوم بإحراق المصاحف، فإن الصيغة النهائية التي قدمها عثمان كانت تحتوي على جملة من الخروقات لقواعد اللغة، فقد اختلف القُرّاء في قراءة آيات منها، فبصدد الآية: قَالُوا: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (سورة طه: 63)، كان أهل المدينة والكوفة يقرأونها: «إنّ هذان لساحران». حتى قال أحدهم: «إنّي لأستحي من اللّه أن أقرأ (إنَّ هذان)». ولدينا قراءة أخرى: «إِنَّ هَذَيْن لَسَاحِرَانِ» منسوبة إِلَى عثمان وعَائِشَة. وقد اُعتبرت هذه القراءَة موافقة للإعراب، مخالفة للمصحف.

وقد أَشكلت تعدد قراءَات هذه الآية على اللّغويين حَتَّى قاموا بتقديم تأويلات لغويّة متعسفة، بينا قالت عَائِشَة، عندما سُئلتْ عن قوْلِ الْقُرْآنِ: (لَّكِن الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.. وَالْمُقِيمِينَ) (سُوْرَةُ الْنِّسَاءِ: 162)، وفي سُوْرَةُ المَائِدَةِ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ) (سُوْرَةُ المَائِدَةِ: 69)، و (إِن هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) (سُوْرَةُ طَه: 63) ، فأجابت: «يا ابن أختي! هذا خطأ من الكاتب».

عثمان بدوره صاحب التدوين، والآمر بحرق المصاحف الأخرى، قال بصدد هذه الإشكالية اللغوية: «في المصحف لحنٌ، وستقيمه العرب بألسنتهم». وفي سياق مماثل يُروى أنَّه لما قُرأت لدى عثمان إحدى هذه الآيات المخالفة لقواعد اللغة، فإن ثمة من اقترح عليه إصلاحها، بيد أنَّه رفضَ، قائلاً: «دعوه فإنه لا يحرّم حلالاً، ولا يحلّل حرماً»(5). ويورد مؤلف كتاب المصاحف تعليقاً لعثمان، قاله لأعضاء اللجنة بعد إنجازها العمل: «لقد أحسنتم وأجملتم. أرى فيه شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها».

وعندما نشبت الثورة ضد عثمان بسبب من عملية التمايز الاقتصادية التي بدأت تتضح معالمها أكثر فأكثر مع انطلاق الغزاة العرب المسلمين خارج الجزيرة العربية فإن قوى قبلية في المراكز الجديدة اتجهت نحو يثرب لمحاولة فرض تغييرات في طريقة حكم عثمان، المحابية لقريش عموماً، ولآل أمية خصوصاً؛ ولم يكن عثمان بقادر على الامتثال لمطالب الثائرين، وحاول حتى التخلص منهم بالمكر والخديعة، بيد أن محاولته فشلت، فحاصر الثوار بيته، وقطعوا عنه الامدادات، فانكب عثمان يقرأ في القرآن. كانت وسيلة ذكية منه لإحراج الثوار. فكان ذلك توظيفاً سياسياً دنيوياً للكتاب، لكن الثوار الذي ينحدرون من نفس المشترك العقائدي قرورا بلحظة ما اقتحام البيت وقتل عثمان، فقُتل وهو يقرأ مصحفه حسب روايات كثيرة، فلم ينفعه استعماله للقرآن درعاً له، كما أن المسلمين الثائرين لم يردعهم احتماء عثمان بتلاوة القرآن، فدنّس مرتين بهذا العمل، على يد الخليفة المقتول، والثوار القاتلين.

وهذا ما سيتكرر مراراً في تاريخ الدولة الإسلامية منذ أيام عثمان، وآخر وأحدث الأمثلة ما جرى في الدولة الوهابية التي ترفع راية الإسلام «النقي»؛ فحسب مقال مدير المعهد السعودي المشار إليه أعلاه؛ فإن النظام السعودي لم يوفر حتى القرآن نفسه من التدنيس، ففي 14 (تشرين الأول) أكتوبر سنة 2004، فحين خرج آنذاك العشرات من السعوديين رجالاً ونساءً في مسيرة دعماً للإصلاحيين في الرياض حاملين المصاحف ظناً منهم أنهم سيحتمون بها من اعتداءات الشرطة، فوجئوا بأن هذه المصاحف لم تقدم لهم اية حماية إذ تعرضوا للهجوم من قبل مئات من رجال حفظ الشغب، لا بل لم يعبأ رجال الأمن لهذه المصاحف وهم يطأونها بأحذيتهم بعد تساقطها من ايدي المتظاهرين الهاربين.

وبعد سنوات من مقتل عثمان، أراد أركان الدولة الأموية التأكيد على النسخة العثمانية، فقرر الخليفة مروان بن الحكم حرق نسخة حفصة، التي أُعيدت إليها بعد تحرير لجنة عثمان، بيد أنها رفضت تقديمها للحرق، وبعد وفاتها أخذها الخليفة مروان وأتلفها. أما الحجاج بن يوسف الذي عمل على خدمة الدولة الأموية بإخلاص، فإنه أمر بإجراء تعديلات على النص القرآني العثماني في أحد عشر موضعاً، ويوردها السجستاني في «كتاب المصاحف» (انظر الصورة المرفقة أدناه). وهنا، علينا ألا نغفل حقيقة أن الحجاج كان يدير ولاية العراق المشتعلة بالثورات، ولربما كانت بعض نسخ القرآن غير العثمانية منتشرة بين العراقين الذين كانوا يأبون الخضوع لبني أموية.

مصا�ف1

مصا�ف2

رفع الأمويين للمصاحف

وعندما نشبت سلسلة المعارك على الخلافة بين معاوية بن أبي سفيان، وعلي بن طالب، فإن الحجة الكبرى التي كان يوظفها معسكر علي هي حقه بالخلافة لقرابته من محمدٍ. لكن المعسكر الأموي قام بإنتاج المقدس المناسب له عبر إنتاج عقيدة الجبر، وعبر اختلاق مئات الأحاديث المحمدية التي تشيد بآل أمية.

وفي إحدى مراحل الصراع المسلح بين علي ومعاوية، رأى عمرو بن العاص، وهو أحد الدهاة ميل الكفة لصالح معسكر علي، فاقترح على معاوية رفع المصاحف، مطالبين بتحكيم المصحف بينهما. وبالفعل، فإن جنود معاوية وقبل أن يتجدد القتال بينهم وبين قوات علي قاموا برفع المصاحف بالرماح، فأُسقط بأيدي قوات علي، الذين رفضوا الدخول في المعركة رغم أن علياً أكد لهم بأن رفع المصاحف هو خطة تكتيكية من جانب جيش معاوية لكسب الوقت، وبالتالي كان ثمة تدنيس من جانب الأمويين، واستعداد من علي للقيام بتدنيس مماثل للمصحف، وذلك عبر رغبته مهاجمة قوات معاوية، والذي كان سيتسبب ـ لو حدث ـ بإسقاط المصاحف تحت أقدام المقاتلين والخيل. ولولا أن الجناح الأكبر في قواته رفض الانصياع للأمر، لكان المصحف قد دُنس مرتين في هذا الموقف.

تدنيس الوليد

إضافة إلى ذلك، سجّل التاريخ لنا تدنيساً كبيراً للقرآن، صدر عن تصرف ماجن؛ وذلك على يد الوليد بن يزيد بن عبد الملك (90 ـ 129 هـ )، خليفة المسلمين، الذي يُوصف في المصادر الإسلامية بأنه: «كان فاسقاً، شرّيباً للخمر، منتهكاً حرمات اللّه، أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة، فمقته الناس لفسقه، وخرجوا عليه». فذات مرة جرى أن تصفح الوليد نسخة من القرآن، فوقع نظره على: (وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) (سورة إبراهيم: 15)؛ فوضع المصحف وصار يطلق عليه السهام، وهو غارق في سكره، ويقول:

أتوعد كلَّ جبــــار عنيد فها أنا ذاك جبــار عنيد

إذ ما جئت ربك يوم حشـر فقل يا ربِّ مزقني الوليد

1 ـ إن النص الحرفي يقول: «ومن بين الحالات غير المروية من قبل، فإن المصادر أخبرت النيوزويك بأن المحققين، وسعياً منهم لإثارة المشتبته بهم، قذفوا القرآن في دورة مياه».

2 ـ Why Islam is disrespected

http://www.boston.com/news/globe/editorial_opinion/oped/articles/2005/05/19/why_islam_is_disrespected

3 ـ Hypocrisy Most Holy

http://www.opinionjournal.com/editorial/feature.html?id=110006712

4 ـ أنظر تقرير Amnesty International

http://www.amnesty.org/ailib/intcam/saudi/issues/dp.html

معلومات إضافية على التدنيس المنظم للكتاب المقدس في السعودية أنظر:

http://www.saudiinstitute.org/content/view/269

5 ـ انظر تفسير القُرْطُبيّ، والطّبري، والبغوي، لهذه الآيات؛ تَأويل مُشْكل الْقُرْآن لابن قتيبة، باب ما ادُّعي على الْقُرْآنِ من اللّحن، كتاب المصاحف للسجستاني.

السبت، ٢٦ يناير ٢٠٠٨

انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 3 من 8 )

 

 

الدكتور أحمد صبحى منصور

اتهام صريح لأئمة الرواة الشفهية بالكذب

وروى مسلم اتهامات صريحة لأئمة الرواة الشفهية بالكذب ، يتهم فيها بعضهم بعضا بالكذب

يقول مثلا ( وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، يَقُولُ مَا رَأَيْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يُفْصِحُ بِقَوْلِهِ كَذَّابٌ إِلاَّ لِعَبْدِ الْقُدُّوسِ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ كَذَّابٌ ‏.‏) هنا ابن المبارك يعلن كذب الراوية عبد القدوس. وفى رواية أخرى يتهم فيها ابراهيم (النخعى ) إثنين من أشهر معاصريه بالكذب ، يقول مسلم ( وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، - يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ - حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ قَالَ لَنَا إِبْرَاهِيمُ إِيَّاكُمْ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ وَأَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُمَا كَذَّابَانِ ‏.‏)

وقد يتزاور علماء الحديث ولكن يتهم أحدهما الاخر بالكذب ، يقول مسلم (وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ سَأَلْتُ مُعَلًّى الرَّازِيَّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الَّذِي، رَوَى عَنْهُ، عَبَّادٌ فَأَخْبَرَنِي عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، قَالَ كُنْتُ عَلَى بَابِهِ وَسُفْيَانُ عِنْدَهُ فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَذَّابٌ ‏.‏) وقد يروى عنه وهو يتهمه بالكذب ( حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الأَعْوَرُ الْهَمْدَانِيُّ، وَكَانَ، كَذَّابًا )(حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ الأَشْعَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُفَضَّلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الأَعْوَرُ، وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ )‏.‏

وهناك نوعيات أخرى : (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلاَمِ الْوَابِصِيُّ، قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ كَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ كَذَّابًا ‏.‏) ، (وَحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ عَفَّانَ، قَالَ حَدَّثْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، بِحَدِيثٍ عَنْ ثَابِتٍ، فَقَالَ كَذَبَ ‏.‏ وَحَدَّثْتُ هَمَّامًا، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ، بِحَدِيثٍ فَقَالَ كَذَبَ)

 

اتهام غير مباشر بالكذب

وبعض الاتهامات بالكذب جاءت غير صريحة كقوله (حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ ذُكِرَ فَرْقَدٌ عِنْدَ أَيُّوبَ فَقَالَ إِنَّ فَرْقَدًا لَيْسَ صَاحِبَ حَدِيثٍ )، (وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، ذُكِرَ عِنْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ فَضَعَّفَهُ جِدًّا ‏.‏ فَقِيلَ لِيَحْيَى أَضْعَفُ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ نَعَمْ ‏.‏ ثُمَّ قَالَ مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ).

وبعضها جاءت ‏بعبارات فجة قالها ابن المبارك ( وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُهْزَاذَ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيَّ، يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ، يَقُولُ لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَرَّرٍ لاَخْتَرْتُ أَنْ أَلْقَاهُ ثُمَّ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ كَانَتْ بَعْرَةٌ أَحَبَّ إِلَىَّ مِنْهُ) وبعضها يجعل ابن المبارك نفسه متهما ـ حين يتهم غيره ، وذلك ما نستشفه من هذه الرواية :

( قَالَ ابْنُ قُهْزَاذَ وَسَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ زَمْعَةَ، يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ رَأَيْتُ رَوْحَ بْنَ غُطَيْفٍ صَاحِبَ ‏"‏ الدَّمِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ ‏"‏ وَجَلَسْتُ إِلَيْهِ مَجْلِسًا فَجَعَلْتُ أَسْتَحْيِي مِنْ أَصْحَابِي أَنْ يَرَوْنِي جَالِسًا مَعَهُ كُرْهَ حَدِيثِهِ ‏.‏)

 لقد كان ابن المبارك تاجرا ثريا وأشهر أعيان علم الحديث فى عصر الرشيد وكانت جماهير بغداد تخرج للقائه فكيف يجالس متهما بالكذب فى الحديث ؟ وإذا كان يستحى من أصحابه أن يروه عند ذلك الرجل فما الذى أجبره على الجلوس عنده ؟

وفى بعضها يتهم الأخ أخاه بما يشبه التشنيع عليه

(وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا وَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ زَيْدٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ لاَ تَأْخُذُوا عَنْ أَخِي،) ‏.‏

ويقول مسلم (وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَ، مُتَّهَمًا ‏)

ولعل مسلم يشير هنا الى ما ذكره المؤرخ ابن سعد فى الطبقات الكبرى من قبل فى اتهام شرحبيل بن سعد الذى كان ( ‏مولى الأنصار ويكنى أبا سعد وكان شيخا قديما روى عن زيد بن ثابت وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي إلى آخر الزمان حتى اختلط واحتاج حاجة شديدة وله أحاديث وليس يحتج به)‏.‏(الطبقات الكبرى ) ( 5 / 65 ).

 وقبل أن نلوم شرحبيل بن سعد يجب أن نلوم من روى عنهم من الصحابة كأبى هريرة و أبى سعيد الخدرى وزيد ..

ولكن العجيب هنا أن الامام مسلم يوجه اتهاما لشخص لم يره و لم يعش معه . فالتابعى شرحبيل مات قبل مولد مسلم باكثر من قرن من الزمان وعاش فى المدينة أى فى زمان مختلف ومكان مختلف فكيف يجرؤ مسلم على اتهامه فى سريرته ؟

وقد يقول قائل : إنك تتهم أبا هريرة بالكذب وبينك وبينه قرون فكيف تبيح لنفسك ما تنكره على غيرك ؟ وأقول إننى لا أتهم أبا هريرة ولكن أحكى ما قالوه فى حقه. وكل ما قيل فى حقه جاء تأسيسا على اتهام كبار الصحابة المعاصرين لأبى هريرة بالكذب فى وجهه ، ودفاعه عن نفسه دفاعا معوجا لا يستقيم مع المنطق. وفى النهاية فكل ما نقوله مبنى ومؤسس على التراث السنى نفسه ولا نخترع شيئا من عندنا ، بل نحلل ما هو موجود فى كتبهم..

 

الكذب فى تدوين الحديث

قيل أن هناك مدونة قديمة عن الأحكام القضائية التى قضى فيها الامام على بن أبى طالب ، وهى بالطبع ليست أحاديث و ليس فيها إسناد ، حيث تمت كتابتها بدون رواية شفوية ، ومع ذلك تعرضت للتحريف عند نسخها ، يقول مسلم .( حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو الضَّبِّيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ أَنْ يَكْتُبَ، لِي كِتَابًا وَيُخْفِي عَنِّي ‏.‏ فَقَالَ وَلَدٌ نَاصِحٌ أَنَا أَخْتَارُ لَهُ الأُمُورَ اخْتِيَارًا وَأُخْفِي عَنْهُ ‏.‏ قَالَ فَدَعَا بِقَضَاءِ عَلِيٍّ فَجَعَلَ يَكْتُبُ مِنْهُ أَشْيَاءَ وَيَمُرُّ بِهِ الشَّىْءُ فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ضَلَّ ‏.‏ )

فهذا الذى نسخ نسخة من كتاب (أقضية على ) لم يعجبه المكتوب عما قضى به علىّ ، فأخذ ينقل شيئا ويترك أشياء قائلا (وَاللَّهِ مَا قَضَى بِهَذَا عَلِيٌّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ضَلَّ )

وهناك رواية أخرى بطلها أيضا ابن عباس وقد جىء له بنفس الكتاب عن أقضية (على ) وقد قام ابن عباس بمحو معظم الكتاب ، ولا ندرى متى حدثت هذه الحكاية لأن ابن عباس أصيب بالعمى فى شيخوخته .، تقول الرواية : (و حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ أُتِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِكِتَابٍ فِيهِ قَضَاءُ عَلِيٍّ - رضى الله عنه - فَمَحَاهُ إِلاَّ قَدْرَ ‏.‏ وَأَشَارَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ بِذِرَاعِهِ ‏.‏ )

‏‏ وعندما بدأ التدوين فى الحديث تحرز بعضهم من كتابة الروايات الشفهية لبعض من يتهمهم بالكذب ، يقول مسلم : (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ اكْتُبْ عَنْ بَقِيَّةَ، مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلاَ تَكْتُبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلاَ تَكْتُبْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلاَ عَنْ غَيْرِهِمْ ) وهو كلام جميل غير أنها وجهات نظر ، فمن يتهمه مسلم يوثقه غيره ، ولذلك هناك اختلاف بين صحيحى مسلم والبخارى وهما أشهر كتابين فى الدين السنى .

ويقول مسلم : ( حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، ضَعَّفَ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدَ الأَعْلَى وَضَعَّفَ يَحْيَى مُوسَى بْنَ دِينَارٍ قَالَ حَدِيثُهُ رِيحٌ ‏.‏ وَضَعَّفَ مُوسَى بْنَ دِهْقَانَ وَعِيسَى بْنَ أَبِي عِيسَى الْمَدَنِيَّ ‏.‏ قَالَ وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عِيسَى، يَقُولُ قَالَ لِيَ ابْنُ الْمُبَارَكِ إِذَا قَدِمْتَ عَلَى جَرِيرٍ فَاكْتُبْ عِلْمَهُ كُلَّهُ إِلاَّ حَدِيثَ ثَلاَثَةٍ لاَ تَكْتُبْ حَدِيثَ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ وَالسَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ ‏.‏)

وارتبطت الكتابة بتحرى الاسناد أى كتابة سلسلة رواة الحديث من النبى محمد الى الصحابة الى التابعين الى تابعيهم الى من بعدهم حتى العصر العباسى الذى تمت فيه كتابة ذلك الحديث . ومع هذا التحرى فقد كان الكذب هو الأصل ـ ولا يزال..

والى اللقاء فى الحلقة الرابعة ..