For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.

السبت، ٤ أكتوبر ٢٠٠٨

إرث عبد مناف وبيت أبي سفيان

إرث عبد مناف وبيت أبي سفيان

عن موقع حكيم الليبي

clip_image001

 

لعبت هاشم بالملك فلا ..................ملك جاء ولا وحي نزل

لم يترك عبد مناف بن قصي بن كلاب عند موته أموالاً تذكر، ولكن تركته ستكون مثار أحد أطول النزاعات في التاريخ.. نزاع امتد لقرون عديدة، ولا يزال قائماً حتى يومنا هذا، ولا نهاية له في المستقبل القريب، بل إن جميع الشواهد تدل على انه يوشك على الانفجار مشعلاً حرباً دينية أخرى بين السنة والشيعة تضاف إلى الحرب الدينية الاخرى بين شعب الله المختار وخير أمة أخرجت للناس

clip_image002

لقد نفس عبد شمس بن عبد مناف وأبناؤه من بعده الشرف العظيم الذي أورثه عبد مناف لابنه هاشم من سقاية ورفادة الحجيج وخدمة البيت الحرام وحمل راية قريش في الحرب، وكظم عبد شمس غيظه حتى مات كمداً ولكن ابنه الطموح أمية بن عبد شمس لم يكن ليسلم في هذا الإرث بسهولة فقام ينازع عمه هاشم هذا الشرف، وكاد الأمر أن يتطور إلى حرب تأتي على الطرفين حتى انتبه عقلاؤهم أنه لابد من وضع حد لهذا النزاع قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه، فكان أن لجأوا إلى كاهن خزاعي كعادة العرب في الاحتكام الى الكهان لما لهم من الحكمة ولحيادهم إزاء أطراف النزاعات.

وبغض النظر عمن كان محقاً في هذا النزاع فان ثقافة القبيلة لم تكن لتسمح لأمية بن عبد شمس بالتطاول على عمه هاشم والاجتراء على انتزاع حقوقه فكان أن قضى الكاهن الخزاعي على أمية بن عبد شمس بالنفي لمدة عشرة أعوام في منفى يختاره. ولم يجد أمية بن عبد شمس بداً من الرضوخ لحكم الكاهن الذي ارتضاه بنفسه مهما كان رأيه في قسوة هذا الحكم أو مجافاته للصواب.

اختار أمية بن عبد شمس الذهاب للشام ليقضي فيها مدة نفيه وكان أن قضى فيها عشر سنوات أقام في خلالها من علاقات المصاهرة والأخوة ما سيحسم فيما بعد منعطفاً هاماً في التاريخ الإسلامي إن لم يكن أهمها على الإطلاق.

ورغم هذا الحل المؤقت للنزاع بين بني هاشم بن عبد مناف وبني عبد شمس بن عبد مناف فإن المنافسة بينهما لم تتوقف بل بقيت على أشدها فما أن يأتي أحدهم مكرمة حتى يأتي الآخرون بمثلها أو أحسن منها، وإذا حفر أحدهم بئراً حفر الآخر مثلها، فكانا في هذا الصراع كركبتي البعير لا تقوم أحداهما ولا تقعد إلا بالأخرى.

وفي ذلك المناخ المفعم بالترقب لقدوم قائد أو نبي لم يتورع بنو هاشم أحياناً عن محاولة إقحام الله في صراعهم مع بني أمية بن عبد شمس فقد زعم عبد المطلب بن هاشم جد الرسول أن هاتفاً جاءه في المنام يأمره بحفر بئر زمزم لكي يميزها عن الآبار التي حفرها بنو أمية.. وكتب التاريخ والسيرة مليئة بقصص عبد المطلب بن هاشم وهو يمهد لسيادة حفيده محمد على قريش كقوله الذي أورده ابن كثير (دعوا ابني فوالله إن له لشأناً - إنّي أرى أنّه سيأتي عليكم يوم وهو سيّدكم)...

لم يفت هذا الأمر على بني أمية فبمجرد أن أعلن الرسول عن اختياره من قبل السماء من بين جميع البشر، ومن خارج بني إسرائيل لأول مرة في تاريخ البشرية المكتوب، كرسول أخير للناس حتى أعلنت قريش وبنو أمية من ضمنهم بكل صراحة أن هذه مجرد محاولة مكشوفة للاستحواذ على الشرف بادعاء تدخل السماء لتفضيل بني هاشم عليهم، ونطق أبو الحكم بن هشام بلسان حال قريش قائلاً (تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه! والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه).

وقد أدرك ذلك أيضاً بعض سادة مكة فأعلنوا استغرابهم أن يقدم الرسول على اقحام الله طرفاً في صراع قريش على السيادة فكان أن قالوا (لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) فكان أن حاورهم القرآن حواراً بليغاً إذ نعت الوليد بن المغيرة بالزنيم (عتل بعد ذلك زنيم) والزنيم هو الدعي أو ابن الزنا (1)، كما حاورهم بوصفهم بالحمير إذ قال (كأنهم حمر مستنفرة.. فرت من قسورة).

ولكن محمداً أدرك بذكائه المشهود أن جهود الكاهن لوحدها لن تحقق حلم الدولة بل لابد له من التحالف مع شيخ القبيلة ورأس السلطة فحاول مساومة سادة قريش في عدة مناسبات لعل أبرزها قصة الغرانيق والتي عرضتها بالتفصيل في مقال سابق.. وخلاصتها أن الرسول كان يتلو قرآناً من سورة النجم ويستمع إليه الناس (2) فلما وصل إلى آية (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) أضاف (تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى) .. وقد كادت هذه المحاولة أن تنجح إذ فرحت قريش وسجدوا معه في نهاية هذه السورة ولكن ردة الفعل بين المؤمنين والتي بلغت الحبشة غرباً جعلت الرسول يتراجع عن قوله، ولكنه لم يستطع أن ينكر كلاماً قاله بحضور جمع من الناس فزعم أن الشيطان نطق على لسانه أو أنه ألقى في أمنيته وأنزل آية (وما أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته (3). ولم يفسر لنا الرسول ولا الله ولا العلماء ما هو سلطان الشيطان ليتدخل ويلقي ما يشاء في كلام الله خاصة بعد تعهده المشهور بحفظ القرآن، وما إذا كانت هذه هي المرة الوحيدة التي يتدخل فيها الشيطان..

وخلاصة هذه القصة أن الرسول لم ينجح في استمالة قريش لصفه هذه المرة كما لم تفلح محاولته إقحام النجاشي ملك الحبشة في هذا الصراع على الرغم من الآيات التي أنزلها في تكريم عيسى ومريم وأهل الكتاب.. ولكن النجاشي الذي سبق إعلان حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية في حماية وغوث اللاجئين استضاف اللاجئين المسلمين في مشهد من أروع مشاهد التسامح الديني .. هذا التسامح الذي قابله الرسول وهو على فراش موته بآية أخرى من آيات التسامح الإسلامي بقوله (لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً – رواه أحمد والترمذي) .

بات واضحاً بعد هجرة الرسول إلى المدينة أنه على الرغم من هذا القرآن المعجز الذي أتى به والذي عجزت جميع القبائل بشعرائها وفصحائها وبلغائها عن الإتيان بمثله أو بسورة منه، على الرغم من ذلك فإن قبائل العرب لم تؤمن لمحمد بل فضلت البقاء على الحياد حتى ترى عمّ سيسفر هذا الصراع بين محمد وقومه ومن سيستولي على الكعبة.. فكان أن أمر الرسول أتباعه بالصلاة إلى الكعبة بعد خمسة عشر عاماً من الصلاة إلى بيت المقدس،.. هذه الكعبة التي لم يُصل إليها حتى عندما عاش في مكة ثلاثة عشر عاماً بعد نزول "الوحي".. وكانت هذه الخطوة بمثابة إعلان أن هدفه النهائي هو مكة .. ومجدداً أدرك الرسول أن لا غنى للكاهن عن شيخ القبيلة، وبعد مقتل سادة مكة في معركة بدر لم يتبق إلا أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس سيداً غير منازع لقريش، فكان أن تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان في محاولة لم تفلح قيد أنملة في استمالته.

لم يتغير رأي أبي سفيان في محمد ورسالته حتى آخر لحظة إذ وقف مع العباس بن عبد المطلب (الذي لم يؤمن بدوره إلا متأخراً) يستعرض جيوش المسلمين في طريقها إلى مكة قائلاً له (لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً) في إقرار منه بنهاية مرحلة الحرب وحتمية المناورة والسياسة.. ولكن ذلك لم يمنعه من أن يصرح لمحمد بتكذيبه إذ طلب منه الإقرار بأنه رسول الله فقال (أما هذه ففي النفس منها شيء).. فقال له العباس (ويحك.. أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله قبل أن تضرب عنقك ) (4).

لم يهتم الرسول لإيمان أبي سفيان المزيف بل كان همه أن يعقد معه صفقة سياسية ينال كل منهما من جرائها ما يريد، فكان أن ضمن أبو سفيان للرسول أن تستسلم قريش ويدخل مكة سلماً مجنباً إياه حرباً دموية على أعتاب البيت الحرام قد تثير مشاعر القبائل العربية وتؤثر في موقفها المحايد حتى ذلك الوقت، وفي المقابل قبل الرسول إيمانه الشفوي المفكك وأهداه شرفاً بأن جعل بيته موازياً للبيت الحرام فمن دخله كان آمناً، بل انه زاده شرفاً عن البيت الحرام إذ أمر بقتل أربعة رجال وامرأتين ولو وجدوا متعلقين بأستار الكعبة ضارباً عرض الحائط بحقيقة قررها القرآن مراراً في حق البيت الحرام وهي أنه (ومن دخله كان آمناً)..

لقد ردت هذه الصفقة لأبي سفيان وبني أمية اعتبارهم المعنوي وأشارت له أن مكانه في النظام الجديد محفوظ، وعلى الرغم أن هذا التحالف بين الكاهن وشيخ القبيلة لم يكن أول هذه التحالفات في التاريخ ولن يكون آخرها ولكنه أثبت أنه التحالف الأطول عمراً إذ لا يزال يتحكم برقاب مليارات البشر ويقرر مصائرها حتى يومنا هذا.

لم تمض فترة وجيزة إلا والرسول يحارب قبائل هوازن وثقيف في معركة حنين التي انهزم المسلمون في أولها تاركين الرسول يستصرخهم قائلاً "أن النبي لا كذب .. أنا ابن عبد المطلب (5) "، ولم يترك أبو سفيان الفرصة تمر دون أن يعلن شماتته بل وحقيقة "إيمانه" قائلاً قولته المشهورة (لا تنتهي هزيمتهم دون البحر)، ولكن قريشاً كانت تدرك أن الأمر هو أمر ملك وليس أمر دين فقال صفوان بن أمية وهو لا يزال مشركاً (اسكت فض الله فاك. فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن).. ولا شك أن فعل أبي سفيان في الأعراف العسكرية يعد خيانة عظمى إذ لم يكتف بعدم القتال والدفاع عن نبيه بل أعلن الشماتة فيه وتنبأ بهزيمته مساعداً في إحباط المقاتلين وإضعاف الروح المعنوية.. فماذا فعل الرسول تجاه هذه الخيانة الواضحة؟ قياساً على مثال بني قريظة الذين أبادهم الرسول عن بكرة أبيهم ولم يستثن حتى الأطفال الذين أنبتوا الشعر في عاناتهم فلنا أن نستنتج أن الرسول سيقتل أبا سفيان جزاء وفاقاً لخيانته.. ولكن الرسول على العكس من ذلك أعطى أبا سفيان مائة من الإبل وأربعين أوقية وأعطى ابنه يزيد مثل ذلك وأعطى ابنه معاوية مثل ذلك، في أول تشريع للرشوة الإلهية في تاريخ الأديان، هذه الرشوة التي عرفت منذ ذلك الحين بسهم المؤلفة قلوبهم، والتي استمرت الى أن قضى عليها الرجل القوي عمر بن الخطاب الذي ليس من قبيل المصادفة أنه كان ينطق الجملة فيقول الرسول أن القرآن نزل موافقاً لها (6).

من سوء حظ أبي سفيان أن العمر لم يمتد بالرسول زمناً يسمح له بأن يحتل مكانته المرموقة في النظام الجديد فكان أن تنازع المسلمون السلطة في سقيفة بني ساعدة فأخرجت قريش الأنصار على هامش هذا الصراع الذي استمر بين بني هاشم وسائر قريش.. ثم وصل عثمان بن عفان إلى السلطة فاستعمل أهله في المناصب وأغدق لهم في العطاء إلى أن مات مقتولاً بيد الثوار وسط صمت مطبق بل وتحريض أحياناً من باقي الصحابة كطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة بنت أبي بكر..

لقد كان مقتل عثمان الفرصة الذهبية لبني أمية بن عبد شمس لتسوية حسابهم مع بني هاشم فكان أن تأخر معاوية عن نجدة عثمان ربما عن تعمد حتى قتل فاستغل قميصه وأصابع امرأته نائلة بنت الفرافصة التي قطعت وهي تدافع عن زوجها الكهل بيدها العزلاء إزاء سيوف المسلمين.. استغل معاوية هذه الحادثة مشعلاً حرباً دموية في وجه على بن أبي طالب الذي خرج لتوه من معركة رهيبة هي معركة الجمل ضد اثنين من المبشرين بالجنة هما طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ومعهم أم المؤمنين عائشة، هذه الحرب التي قتل فيها طلحة والزبير وكادت عائشة أن تقع سبية بين أيدي المسلمين لولا حكمة علي، وقد قتل في معركة الجمل هذه عشرة آلاف مسلم (7)..

لقد أثمرت سنوات نفي أمية بن عبد شمس في الشام وتظافرت مع حكمة معاوية ودهائه وانتهازية عمرو بن العاص وملكة أبي هريرة في تأليف الأحاديث، أثمرت هذه العوامل مجتمعة في حسم الخلاف لصالح معاوية على حساب علي الذي قضى سنوات خلافته الأربع محارباً في الجمل وصفين والنهروان (8) حتى مات مقتولاً في نهاية الأمر شأنه في ذلك شأن عمر وعثمان..

وقد أفلح معاوية فيما بعد في تحييد أكبر أولاد علي بن أبي طالب، الحسن، بتنازله له عن الخلافة في ما يعرف بعام الجماعة وهو عام واحد وأربعين للهجرة أي بعد وفاة الرسول بثلاثة عقود كاد فيها أصحابه أن يفني بعضهم بعضاً. وما ان استقر الحكم لمعاوية حتى عقد تحالفاً جديداً بين شيخ القبيلة والكاهن بمبايعة ابنه يزيد ولياً للعهد بمباركة رجال الدين مؤسساً بذلك لدولة بني أمية التي استمر حكمها واحداً وتسعين عاماً وساناً بذلك سنّة توريث الحكم التي لا نزال نعاني منها إلى يومنا هذا (9).

ولم ينس يزيد أن يصفي باقي حساباته مع بني هاشم ومن ناصرهم فانتهز تمرد أهل المدينة وأرسل اليهم جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة المري فقمع تمردهم بوحشية منقطعة النظير وأباح المدينة لجنده ثلاثة أيام، وقد أبرز تشفيه في الأنصار بقوله:

ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل

ثم في مجزرة يسجلها التاريخ حتى يومنا هذا قام بقتل الحسين بن علي واحتزاز رأسه وقتل الذكور من عائلته، وأبدى خلاصة رأيه في بني هاشم ورسولهم بقوله:
لعبت هاشم بالملك فلا ملك جاء ولا وحي نزل

ولا يزال هذا الحلف البغيض بين الكاهن وشيخ القبيلة يحكم خناقه على شعوبنا التعيسة المقهورة، وما أن يهلك أحد الشيوخ حتى ينصب ابنه أو أخاه، وقد رأينا مشهداً جديداً من هذا التحالف عند وفاة ملك السعودية وتولية أخيه ورأينا خطيب وامام المسجد الحرام يدعو الناس إلى مبايعة الملك الجديد مستخدماً النص الديني لتمرير أجندة سياسية قائلا أن "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" .. ولا يزال هؤلاء الكهنة يصرون على تلويث أسماعنا وأبصارنا بمشاهد من عهرهم الديني البغيض، ولا زلنا نترقب نتائج الغزل غير العفيف بين كهنة الإخوان المسلمين وولي عهد مملكة قذافستان، وفي كل هذه الأثناء لا يزال وجه أبي سفيان البغيض يطالعنا من وراء حجب الغيب بابتسامته الثقيلة ولهجته الواثقة قائلاً لنا (من دخل بيتي فهو آمن).

هوامش:

[1] ولذلك تجد بعضهم يستلهم هذا الأسلوب في الحوار مع مخالفيه، هذا طبعاً إذا لم يتمكن من حز أعناقهم بالسكاكين أو مباضع الجراحين.

[2] من المفيد أن يتأمل المرء المزاعم القائلة بأن الرسول لم يكن يسمح له بنشر الدين ولذلك هاجر إلى المدينة، ولا ندري لماذا تأخر هذا الاكتشاف ثلاثة عشر عاماً.. وظاهر هذه القصة والكثير غيرها يقول أن الرسول كان يتلو القرآن ويدعو إلى دينه بكل حرية إلى أن فقد الأمل في أن تقتنع قريش برسالته فهاجر إلى المدينة.. ومن الملفت أيضاً زعمهم أن الرسول لم يهاجر حتى رد جميع الأمانات إلى أهلها ولكن لم يمض العام إلا وقد بدأ يهاجم قوافل قريش بزعم استرداد ما أخذته قريش من أموال المسلمين، فإذا كان الحال كذلك فلم لم يأخذ الأمانات التي كانت عنده وهو آخر من هاجر؟ وكيف يستقيم أن قريشاً تحاربه وتستودع عنده الأموال في نفس الوقت؟

[3] هذه الرواية صححها الحافظ بن حجر العسقلاني في فتح الباري وحاول الحواة (الفقهاء) الالتفاف حولها بتفسيرات متعددة منها أن الرسول لشدة ما كان يتمنى أن يؤمن قومه فكأن الشيطان ألقى هذه الكلمات على لسانه من شدة حبه لقومه، ولكن ينفي هذا قول الآية "ثم يحكم الله آياته" مما يدل على ان التلاعب كان في الآيات وإلا فما الحاجة إلى إحكامها؟

[4] أنظر كيف آمن أبو سفيان وتأمل أيضاً أن ثلاثاً وعشرين سنة من القرآن المعجز لم تجعل قريش تؤمن ولكنها دخلت في دين الاسلام بعد أن رأت السيف، ولا يزال الكثيرون من الاسلاميين اليوم يحتجون على الناس بأن العرب قد أقرت للقرآن بالإعجاز وإذا كان الأمر كذلك فلم لم يؤمنوا إلا بالسيف؟

[5] من حق المرء أن يتسائل أين جبريل في هذه المعركة فقبل بضع سنوات رأيناه يمتطي صهوة حصانه "حيزوم" ويقاتل في موقعة بدر، أما في حنين فقد اختفى، وهذا يؤكد ما قررته مراراً سابقاً بأنه لا يمكن التنبؤ بأوقات ظهوره ولا بترتيب أولوياته.

[6] روايات نزول القرآن موافقاً لكلام عمر بن الخطاب صحيحة وحدثت في أربع مناسبات على الأقل، والسؤال هو: إذا كان عمر بن الخطاب وهو بشر يستطيع الإتيان بكلام مطابق حرفياً للقرآن فلم لا يستطيع بشر آخر أن يفعل ذلك؟ لماذا لايستطيعه الرسول مثلاً؟ وأين تذهب مزاعم عجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله؟

[7] كعادة الحواة في استهبال الناس يصرون على أن سبب موقعة الجمل "سوء تفاهم" فقد كانت عائشة خارجة للإصلاح بين الناس ولم يكن علي يرغب في قتالها وقد عزموا على الصلح ولكن ابن سبأ هو الذي أوقع بينهم، وعلى المسلم أن يقتنع أن عشرة آلاف قتيل سقطوا نتيجة سوء التفاهم هذا.

[8] وهذا "سوء تفاهم" آخر وقع من جرائه تسعون ألف قتيل في صفين وحدها، وهذا العدد لم يقتل قط في جميع المعارك التي خاضها المسلمون منذ بعثة الرسول والى ذلك التاريخ، ناهيك عمن مات في النهروان وغيرها من المعارك الأقل أهمية.

[9] من طرائف البالتوك أن حواراً دار منذ أسابيع عن وجوب الترضي عن معاوية بن أبي سفيان، وقد واجه الأخ المعترض على هذا الوجوب هجوماً شديداً من قبل الحاضرين جراء سوء أدبه مع هذا "الصحابي"، ولا شك أن عقليات كهذه حرية بأن تجرنا إلى الوراء عدة قرون وتضمن لنا مكاناً في قاع الأمم.