نشر الإسلام على حساب الأيتام
كامل النجار
أي مواطن مصري يستطيع أن يحدثك عن تدني الخدمات الطبية في مصر المحروسة وانعدام الأدوية والمعدات بالمستشفيات الحكومية مما يضطر المواطن المصري لشراء العلاج من الصيدليات الخاصة وأخذه للمستشفيات لعلاج أقربائه. والسبب في ذلك يرجع إلى عوامل كثيرة، أهمها الفساد الإداري وسرقة المال العام والانفجار السكاني المريع بسبب أحاديث "تناكحوا تناسلوا"، مما أدى إلى عجز الدولة عن تحمل نفقات علاج مواطنيها.
والكل يعرف أن مصر الرئيس المؤمن أنور السادات وخليفته حسني مبارك تدار بالتعاون الخفي مع الإخوان المسلمين والجامع الأزهر والوهابية السعودية عن طريق بترودولاراتها لتخدير حواس المواطنين بنشر مظاهر التدين الكاذب الذي زاد من تفشي الرشوة والمحسوبية وسرقة المال العام وكبت الحريات العامة تحت غطاء محاربة الإرهاب الإسلامي الذي يتفجر "عند الطلب" وحسب الضرورة السياسية، حتى تستطيع الحكومة العمل بقانون الطواريء الذي ظل ساري المفعول منذ بدء الثمانينات من القرن المنصرم.
والغريب أن مصر التي لا تستطيع علاج مواطنيها، أصابها القلق لأن تنزانيا رفضت قبول مساعدات طبية مجانية مقدمة من مصر (1)
وطبعاً تنزانيا رفضت العرض لأن المركز الطبي الإسلامي ما هو إلا وسيلة تبشيرية لنشر الإسلام تحت غطاء المساعدات الطبية واستغلال حاجة هؤلاء المرضى التنزانيين الفقراء لتحويلهم إلى الإسلام. ومن المؤكد لو كانت هذه المساعدات غير مشروطة بربطها بالإسلام لما ترددت تنزانيا في قبولها، فهم يقبلون المساعدات الطبية من أمريكا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي (سابقا) وغيرهم كثير.
ويحق لنا أن نسأل لماذا تصرف الحكومة المصرية بواسطة سفارتها في تنزانيا على الأدوية والمعدات ورواتب الأطباء في ذلك المركز الطبي الذي وصفته بالإسلامي، بينما أموال الضرائب التي تجمعها حكومة مصر المحروسة وتصرف منها على ذلك المركز يدفع أربعين بالمئة منها المواطنون الأقباط، والبهائيون والشيعة وبعض اليهود، وكل هؤلاء يعتبرهم الأزهر كفاراً تباح دماؤهم؟ فلماذا تصرف مصر أموالهم في نشر الإسلام؟
بينما يحدث مثل هذا التبشير الإسلامي المصري في بلاد إفريقية عدة، يصرح رئيس جامعة الأزهر، الدكتور أحمد الطيب (أن الأزهر ليس جهة تبشيرية، وإنما هو مؤسسة تعليمية حرة ولا يملك أجندة سياسية ولا تنظيمية لدولة بعينها.) (2). والجامع الأزهر الذي ينكر التبشير يرسل شيوخه ودعاته إلى جميع أقطار العالم، بما فيها الفلبين التي احتجزت أحد شيوخ الأزهر لارتباطه بالإرهاب مع جماعة أبي سياف في جنوب البلاد. فهل من حق الحكومة المصرية صرف أموال الشعب على نشر الإسلام في أدغال إفريقية أو جنوب شرق آسيا بينما تعجز عن تقديم العلاج لمواطنيها؟
ونحن نقدّر رغبة مصر في مساعدة جيرانها الافارقة الفقراء، ولكن حكومة مصر التي يمدح جامعها الأزهر وشيوخ فضائياتها السنة النبوية، لا بد أنها سمعت بالحديث الذي يقول (من كان عنده فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له). ويقال إن هذا الحديث قال به النبي في غزوة تبوك عندما جاءه البكاؤون الذين يطلبون الشهادة في الغزوة ولكن لم تكن عندهم خيول ولا حمير يركبونها ليصلوا إلى تبوك، بينما كان هناك من يملك أكثر من حمار أو بغل. فطلب من الأغنياء مساعدة الفقراء الذين لا يملكون ظهراً يركبونه. فهل مصر المحروسة المسلمة لديها فضل ظهر من العلاج لتجود به لكفار تنزانيا من أجل إدخالهم في الإسلام؟
وقد نفهم أن تكون لدول الخليج النفطية بعثات إسلامية تبشيرية علاجية في الأقطار الإفريقية. وفعلاً هناك عدة جمعيات إسلامية في بلاد إفريقية فقيرة مثل تشاد التي دخلها الإسلام في عام 46 هجرية مع جيوش عقبة بن نافع. فهل تحتاج تشاد التي دخلها الإسلام قبل أن يدخل السودان أو الصومال أو الهند إلى تبشير من الدول المسلمة؟ تشاد التي يغلب عليها الإسلام تستفيد من أموال الجمعيات الإسلامية الآتية:
ـ لجنة مسلمي أفريقيا ومقرها في الكويت ولها مكتب إقليمي في تشاد بالعاصمة أنجمينا وأربعة فروع تابعة له بالمحافظات التشادية.
ـ هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية ومقرها في جدة بالمملكة العربية السعودية ولها مكتب إقليمي في تشاد.
ـ المنتد ى الإسلامي العالمي ومقره في لندن.
ـ الندوة العالمية للشباب الإسلامي ومقرها في الرياض المملكة العربية السعودية.
ـ منظمة الدعوة الإسلامية ومقرها في الخرطوم ـ السودان.
ـ الوكالة الإسلامية السودانية.
ـ جمعية الدعوة الإسلامية العالمية ومقرها بالجماهيرية العربية الليبية.
وتتواجد نفس الجمعيات في عدة دول إفريقية أخرى. والجمعية العربية الليبية التي لا تخفي كونها جمعية تبشيرية، تكونت عام 1972 ولها فروع في تنزانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وغانا وبنين وأوغندا. وقد صرفت على الإعانات الطبية بين عامي 2000 و2004 مبلغ 11586000 (ما يقرب من اثني عشر مليون) دولار أمريكي. وهذا المبلغ لا يمثل عبئاً مادياً على الجمهورية الشعبية الليبية التي صرفت أكثر من أربعة مليارات دولار أمريكي تعويضاً لذوي المواطنين الأمريكان الذين تفجرت بهم طائرة بانام الأمريكية فوق لوكربي في اسكتلندا.
ومما يؤسف له أن مصر ودول الخليج وحتى السودان الفقير إلى ربه، يصرفون ملايين الدولارات في إفريقية لأسلمة الأفارقة ولكنهم لا يهتمون بتعليم هؤلاء المسلمين الجدد أو بإيجاد مصانع أو مزارع لهم تضمن لهم الاكتفاء الذاتي والعيش الكريم (3)
ومصر التي صرفت مبلغ تسعمائة ألف دولار أمريكي على مركز صحي إسلامي واحد في قرية صغيرة في تنزانيا، لها مركز صحي إسلامي آخر في نفس البلد في دار السلام، ومراكز أخرى في أقطار أخرى، ولا يعلم أحد كم من الملايين تصرفها مصر في عمليات التبشير هذه. وهذه المبالغ تمثل عبئاً كبيراً على المواطن المصري الذي لا يجد العلاج لنفسه أو لأطفاله ولا يستطيع حتى شراء الفول المدمس ويعيش بعض أطفالهم في الشوارع ويسكن بعضهم في المقابر.
ويظهر النفاق الإسلامي في أن مصر التي تبعث مبشريها لكل أقطار العالم وتصرف على المراكز الصحية الإسلامية في إفريقية، تعتقل من يحاول التبشير في مصر ذاتها، فقد (بدأت نيابة أمن الدولة العليا بمصر تحقيقاً موسعاً أمس، مع اثنين من الأقباط، قالت الشرطة إنهما يديران موقعاً إلكترونياً باسم «منظمة مسيحيي الشرق الأوسط»، على شبكة المعلومات العالمية الإنترنت، ويبثان فيه بالاشتراك مع آخرين مواد إعلامية مناهضة للإسلام. ووجهت النيابة لكل من الدكتور عادل فوزي ممثل المنظمة، والمهندس بيتر عزت منير مراسل موقع «الأقباط المتحدون» الإلكتروني، تهمة ازدراء الأديان، ونشر الفتنة الطائفية في البلاد، والعمل على تنصير المسلمين.) (4). فمحاولة تنصير المسلمين تعاقب بالسجن ولكن محاولة أسلمة التنزانيين المسيحيين لا غبار عليها وتصرف عليها الدولة التي تعيش على الإعانات الأمريكية.
حتى الشيعة لا يسمح لهم بنشر مذهبهم في مصر التي كانت فاطمية حتى حولها صلاح الدين الأيوبي إلى المذهب السني (5)
فمصر الثورة التي تزعم أنها دولة مبنية على المواطنة وليس على المعتقد، تسرق القوت من أفواه اليتامى لتصرفه على التبشير الإسلامي في أفريقيا، وتحارب التبشير المسيحي فيها، فإذا لم يكن هذا كيلاً بمكيالين، فما هو الكيل بمكيالين الذي يتهم به الإسلاميون الغرب في كل مناسبة وبغير مناسبة؟ ولم يبق للشعب المصري إلا أن يردد المثل العربي (ما بقي من اللص أخذه العراف).
--------------------------
الهوامش والمراجع:
(1) أعربت السفارة المصرية في دار السلام عن قلقها إزاء قرار الحكومة التنزانية رفض تقديم خدمات طبية مجانية في عيادة المركز الإسلامي المصري بمدينة شانجومبي. وقد اكد السفير المصري وائل نصر خلال مؤتمر صحافي ان حكومة دار السلام رفضت إصدار تصريح للمركز الإسلامي المصرى بتقديم خدمات طبية مجانية لشعب تنزانيا.) وأضاف السيد السفير (ان العيادة المصرية ليست ربحية، مشيرا ان الأطباء وغيرهم من العاملين يتقاضوا مرتباتهم من السفارة، مؤكدا انفاق ما يقرب من 900 ألف دولار أميركي على شراء الأدوية والمعدات وغيرها. وتوجد جميع الأدوية والمعدات معطلة بلا عمل في مقر السفارة في دار السلام. (محمد حميدة، إيلاف 30/1/2009).
(2) آفاق 2/1/2009
(3) وهنا يجري بناء المساجد بنشاط كبير بفضل التمويل من دول الخليج ودعاتهم الوهابيين، وهذه الدول ليس لها نفس الرغبة بتمويل فرص العمل (National Geographic, nr 91-23, 5/2008 ) نقلاً عن موقع الذاكرة.
(4) عبده زينة وآخرون، الشرق الأوسط 10/8/2007
(5) أحالت أمس مباحث أمن الدولة بمصر محمد الدريني، رئيس المجلس الأعلى لآل البيت (التجمع الرئيسي للشيعة في مصر)، إلى نيابة أمن الدولة، لاتهامه ببث دعايات كاذبة من شأنها إثارة الرأي العام عن وجود تعذيب داخل السجون المصرية في كتابه «عاصمة جهنم»، ولاتهامه بازدراء الأديان والسعي لنشر الفكر الشيعي في مصر بالتعاون مع آخرين. (محمود عبد المقصود، الشرق الأوسط 3/10/2007).