ابراهيم القبطي
بعد ليالى وأيام طوال ، و أخيرا نجحت في لقاء جبريل ، لم يكن العثور عليه سهلا ، و لم يكن من السهل أقناعه بالحوار ، و لكنني أقنعته -بعد جهد جهيد - بأن الآن هو زمان كشف الحجاب عما حدث منذ 14 قرن ، وأكدت له أن هذا الحوار لن يغير من الواقع شيئا ، فمهما قال لن يلقي المسلمون بالا إليه ، أو ما يقول ، و هذا ما طمأنه ، فقرر البوح بالحقيقة كاملة ، لتبقى قصة طريفة يحكيها الناس دون أن يدركوا واقعيتها ، و لم أكن أكذب عليه ، فهذا هو واقع الشرق ، من الممكن أن تقتل و تسرق و تكذب و تجاهد في سبيل الله بقتل الكفر ، و قطع الرؤس ، و لا مكان للحقيقة أو القراءة بين السطور ، أو الهروب من عشوائية الواقع المرير الذي نحياه . و بدأ الحوار الطريف
أسمك الحقيقي بالكامل و لقبك؟
جبريل: أكبر ، الشيطان الحاكم على منطقة شبه الجزيرة العربية قبل القرن السابع ، و الحاكم حاليا على أجزاء كبيرة من العالم القديم في أفريقيا و آسيا بعد القرن السابع الميلادي بتاريخكم ، و كان رمزي الهلال ... وهو الرمز الموضوع على الجوامع و المئاذن الآن.
إذا كان أسمك ليس جبريل لماذا سميت نفسك جبريل؟
جبريل (أكبر): الحقيقة أنني قررت أتخاذ اسم قريب الشبه من عدوي اللدود جبرائيل الذي بشر مريم العذراء (1) بميلاد المصلوب ، و لم أستطع اتخاذ الاسم نفسه فأنا لا قبل لي بهذا الملاك و لا بجنوده.
و مع ذلك فقد احتفظت باسم أكبر و جعلته من صفات الله ... في الاسلام ، شعور ممتع بعد كل هذه السنين ، أنا أرفع نفسي برتبه إله ..
ما الذي جاء بفكرة الدين الجديد الذي أنشأته في القرن السابع الميلادي؟
جبريل (أكبر): الحقيقة أن الفكرة جاءت بعد جدال طويل في مجمع الشياطين أستمر 7 قرون كاملة ، فبعد ميلاد المصلوب و صلبه و قيامته (2) ، و قائدنا العظيم أبليس تمت تحديد أمكانياته و إقامته ، بدأنا نفقد الكثير من ممالكنا السابقة في اليونان و آسيا ، و حتى أفريقيا تحت ضربات أتباع المصلوب ، و كنا في حالة من الانهيار التام.
و لحسن الحظ أن مملكتي في شبه الجزيرة العربية لم تتأثر كثيرا ، فقد كانت صحراء ، و بعيدة عن خطوط التبشير الجغرافية ، و التي تخترق الحضارات المعروفة ، فصارت جزيرة العرب ملاذا آمنا لكل أتباع المذاهب المنحرفة المنشقة عن ديانة المصلوب و كذا عبادة الأصنام ، و كانت هناك الكثير من الكعبات (البيوت المكعبة الشكل) (3)، و التي تعبد فيه الأصنام و التماثيل المختلفة ، و لعل أشهرها الكعبة التي في مكة و التي كان فيها حوالي 365 تمثال ، كل إله له تمثال على مدار السنة (4).
و هنا تفتق ذهني عن اقتراح ، و عرضته على مجمع الشياطين ، بما أننا لن نستطيع أن نواجه المصلوب ، و لن نستطيع أن ندعي بأنه لم يفعل معجزات أو يقيم موتى ، نستطيع أن نجعل البشر يخترعون دينا جديد ، فالمصلوب يحب البشر ، وهم يمكنهم أن يفعلوا ما لا نقدر على فعله نحن .
و هذا الدين الجديد لابد ان يكون خليطا من الحقائق و الأكاذيب ، من المقدس و المدنس ، من الشيطاني و الإلهي حتى يتوه البشر .
و قد قوبل أقتراحي أولا بالغضب ، و لكن بعد مجادلات و مناقشات حامية ، توصلنا أن هذا يبدو هو الحل العملي الوحيد ، و لابد من سرعة التصرف قبل أن تصل جحافل المبشرين إلى جزيرة العرب و تضيع الفرصة ، و نفقد واحد من آخر المعاقل الباقية لنا .
أنا مازلت لا أفهم لماذا العرب بالتحديد ؟
جبريل (أكبر): بجانب أن جزيرة العرب كانت ملاذا آمنا لكل المنحرفين و أتباع الأوثان ، و لم تصلها أيد التبشير بعد ، إلا أنها كذلك لها الكثير من المميزات الآخرى.
مثل ماذا؟
جبريل (أكبر): العرب المستعربة و الذين جاءوا من الشمال ، كانوا من نسل أسماعيل الأبن المطرود ، ابن هاجر ، و أنضم له بعدها عيسو أخو يعقوب (أسرائيل) ، بعد أن باع بركة أبيه بأكلة عدس (5) ، و تزوج من قبيلة أسماعيل (6) ...
و لك أن تتخيل كم الحقد الهائل الذي جمع هؤلاء المطاريد ضد اليهودية ، و من بعدها ضد عبادة المصلوب ، فقد كانوا يشعرون باستمرار بأنهم خُدعوا من أبناء عمومتهم ، وأن أبناء عمومتهم صاروا أصحاب كتب مقدسة وأنبياء ، بل وخرج منهم ومن نسلهم المصلوب نفسه ، و الذي صارت تدين له الكثير من الشعوب.
وهذا الشعور الجارف بالحقد ، جعلهم تحت رحمتنا ، و في أشد الحاجة إلى نبوة ، و رسالة ، و إن كانت زائفة ، ليستعيدوا كرامتهم المهانة و المسلوبة ...
وهذا الشعور تغلغل فيهم عبر الأجيال ، حتى حانت اللحظة المناسبة في أواخر القرن السادس الميلادي و أوائل السابع.
لماذا محمد تحديدا؟ ما الذي كان يميزه؟
جبريل (أكبر): هذه قصة طريفة ، و بما أن كلامي لن يؤخر أو يقدم من الواقع سوف أحكي لك
محمد جاء من نسل قبيلة قريش فرع بني هاشم (7)، هم من ذوات الحسب و النسب و الرفعة بين العرب المستعربة ، و أنت تعرف أنهم كقبائل ، كان النسب يمثل بالنسبة لهم أهم من الحياة نفسها ، فالقبائل البدوية لا ترتبط بالأرض بل بالنسب ، في الوقت الذي كان محمد مجهول الهوية مشكوك في نسبه ، و على الرغم أن معظم المسلمين اليوم يعتقدون أنه ابن عبد الله ، ألا أن ميلاده جاء بعد 4 سنوات كاملة من وفاة عبد الله ، مما جعل الكثير من كتاب السيرة يخترعون الكثير من الحالات عن طول مدة الحمل ، لتفسير بنوة محمد إلى عبد الله ، بأنه بقى في رحم أمه 4 سنوات (8).
هذا الشاب تربى و داخله حلم كبير أن يلغي الانساب القبلية ، و من هذا الطموح بدأنا التحرك .
كيف كان هذا التحرك؟
جبريل (أكبر): بدأنا باشعال عواطف خديجة السيدة التي كانت في الأربعين من عمرها تجاه محمد و هو في الخامسة و عشرين من عمره (9).
و ما علاقة خديجة بالموضوع؟
جبريل (أكبر): هاهاهاها ، أنت لم تعرف فن الشياطين بعد ، كانت خديجة مسيحية الديانة على الطائفة الأبيونية ، مثل ابن عمها ورقة بن نوفل (10) (11) ، والأبيونية طائفة من الطوائف المنحرفة عن أتباع المصلوب ، و التي كانت لا تؤمن بلاهوته ، و تؤمن بانجيل واحد هو انجيل متى .
وكان لها ابن عم ، ورقة بن نوفل، قس عجوز تخطى التسعين من عمره ، وهو الذي قام بمراسم زواجها من محمد على النظام المسيحي .
أنت تريد أن تقنعني أن محمد تزوج على الطقس المسيحي ، هذا غريب جدا ، و ما دليلك على هذا ؟
جبريل (أكبر): الدليل الأول أن محمد لم يطلق خديجة طوال حياتها ، و لم يتزوج عليها (12) ، و الدليل الثاني أن كتب السيرة تؤكد أن ورقة بن نوفل هو من بارك الزواج (13) ، تفتكر لماذا يبارك قس زواج محمد من خديجة؟
و لكن السؤال يظل: ما علاقة كل هذا بالخطة التي تقول بها؟
جبريل (أكبر): ورقة بن نوفل كان طموحا جدا ، و كان يحلم هو الآخر بنشر المسيحية الأبيونية بين ربوع شبه الجزيرة العربية ، و لم يكن هناك أفضل من وضع محمد الشاب الذكي و الطموح ، و الشاعر برفض المجتمع له و شكه في نسبه ، مع القس المخضرم و الذي كان يملك الكثير من المعلومات عن التوراة و انجيل متى.
و لماذا تريد أن تستغل التوراة و الانجيل في خلق الدين الجديد؟
جبريل (أكبر): كما قلت لك ، بعد خبرة أكثر من سبعة قرون في الحرب مع المصلوب ، كان هناك اقتناع تام بين مجمع الشياطين ، أنه لا يمكن انكار قوة المصلوب على قلوب الناس و عقولهم .
و لذلك كان لابد من اختراع دين يحمل أنصاف الحقائق عن المصلوب ...
يؤكد على أنه نبي (14) ، لكنه ليس إله (15)
يؤكد على معجزاته و صفاته الإلهية من القدرة على الخلق (16) ، و لكنه ينكر أهم شئ في حياته ، صلبه و قيامته (17) .
يؤكد على أنه كلمة الله و روح منه (18) ، و ينكر أنه الله الظاهر في الجسد (19).
و بهذا تنتفي شبهة هجومنا على المسيح و لكننا نفسد صورته التي رسمتها الأناجيل الأربعة.
يا لها من خطة شيطانية !!!
و الآن إلى مزيد من الأسئلة :كيف بدأت علاقتك بمحمد؟
جبريل (أكبر): كما قلت لك كانت الخطة مرسومة منذ زواجه من خديجة ، و لكنني بدأت في الظهور له في غار حراء (20) وهو في سن الأربعين .
وماذا كان رد فعله لرؤياك؟
جبريل (أكبر): الحقيقة أنه فزع أيما فزع ، و قدم إلى أهل بيته يسألهم أن يدثروه و يزملوه (21)، فقد كان يشعر بالرعب ... و كان يشك في أنني شيطان ، و هذا كان كفيل بأن يفسد كل شئ.
كيف؟
جبريل (أكبر): إذا لم يقبل محمد بإرادته كلماتي و ظهوراتي ، لا يمكن أن تنجح الخطة ، فالانسان قد خلقة الله على صورته و مثاله ، و هو يملك من حرية الإرادة ما يجعله يرفض الشيطان ، وعندها لن يتمكن الشيطان أن يؤثر عليه.
ماذا فعلت للتغلب على هذه المشكلة؟
جبريل (أكبر): هذه قصة كلما أتذكرها لا أملك نفسي من الضحك .
ما هي هذه القصة المضحكة؟
جبريل (أكبر): عندما عاد محمد إلى بيته ، و كان في حالة الرعب المعتادة لأنه رآني ، أوعزت إلى خديجة بأن تطمئنه .
كيف فعلت ذلك ؟
جبريل (أكبر): فعلت ذلك بأن اخترعت برهان الوحي على أفخاذها (22)..... ها هاهاهاهاهاها
ماذا تقصد ؟
جبريل (أكبر): قالت خديجة لمحمد إذا جاءك هذا الملاك فقل لي ، وهنا ظهرت له ، فأبلغها بأنه يراني ، فبدأت تسأله أن يجلس على فخذها الأيسر ، ثم على فخذها الأيمن ، ثم بين فخذيها ، و أنا مازلت واقف أمام محمد يراني و هي لا تراني ، ثم عندما تحسرت و أزالت ملابسها ، اختفيت أنا...
وهنا قالت خديجة لمحمد أن يبشر بأنني ملاك و لست شيطان ، فقد استحيت على حد كلامها من رؤية وجهها ، هاهاهاهاهاهاهاها.
وهل صدق محمد و الناس بهذا أنه نبي ؟
جبريل (أكبر): لا تستعجب يا عزيزي ، فلم يؤمن بمحمد الكثيرين وهو في مكة ، فلم يتعد المؤمنون به أكثر من تسعة و سبعين فردا (23) ، كثيرا منهم من العبيد .
و لماذا العبيد ؟
جبريل (أكبر): لأنه وعدهم في بداية دعوته بالتحرر و إلغاء الرق. بل أنه تبنى واحد من العبيد هو زيد بن ثابت ، و لكنه عندما انتقل إلى المدينة ، وبدأت ظروف الحياة تختلف ، أمتلك هو نفسه العبيد من سبايا القبائل التي غزاها ، بل أنه ألغي التبني كليةً ليستطيع أن يتزوج أمراة زيد بن ثابت ... و لكن هذه قصة ثانية ..
لماذا فتر الوحي بعد موت ورقة (24)؟
جبريل (أكبر): هل تعتقد أنه كان هناك وحي بالفعل ، ما هي إلا أملاءات ورقة بن نوفل على بعض أشعار قديمة ، و الحقيقة أنني لم أملي عليه أي شئ ، أنا لست متفرغا لمثل هذا الكلام .
ماذا تقول ، ألم تساهم أنت في الوحي؟
جبريل (أكبر): لا و ألف لا ، ألم أقل لك أنه يكفي أن نحرك النوازع و الأطماع في القلوب البشر ، و هم يقومون بما يفوق الشياطين . لقد كان على محمد فقط أن يقتنع بانني أظهر له ، و أنه نبي مكرم ، و كان يقوم هو بالباقي مدفوعا بطموحه الجبار ، فكان يقوم بحفظ جمل مسجوعة على يد ورقة بن نوفل ثم يتلوها على أنها وحي مني ، و لم يشعر للحظة أنه يكذب ، فقد أعماه طموحه ، و اعتقاده بنبل رسالته في توحيد العرب ، و هذا ما جعل الوحي المزعوم يفتر بعد موت ورقة ، و لكن محمد تعلم أن يكتب شعره بنفسه ، بل أن أهل قريش أتهموه صدقا بذلك (25) .
لماذا حاول محمد الانتحار (26)؟
جبريل (أكبر): محمد شعر باليأس بعد وفاة ورقة بن نوفل ، ففقد مصدر معلوماته الاساسي ، و أنا كنت قد انشغلت ببعض الأمور الشيطانية ، فلم أظهر له لفترة طويلة ، وهنا انهار و بدات محاولات الانتحار ، مما جعلني أسرع بالعودة إليه حتى لا يفسد المشروع كله ، لقد نلت نصيبي من التقريع الشيطاني من مجلس الشياطين بسبب هذا الحادث ، فبعضهم لاموني على اختيار شخص ضعيف ، و الآخرون لاموني على تجاهله طوال هذه الفترة ، المهم أن ظهوراتي الشيطانية أعادت إلى قلبه الأمل ، و إن كان ستأتي لحظات في تاريخ محمد سيستغني فيها عن ظهوراتي كليتة ، بعد أن يثق في نفسه ، و يكتب آياته بنفسه
يتبع في الجزء الثاني
-----------------------------
الهوامش و المراجع:
(1) لوقا 1: 26
(2) راجع قصة المسيح في الاناجيل الأربعة
(3) راجع في ذلك المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام :د. جواد على ج5/ص 214، 215 ،217، 223
(4) راجع كتاب الاصنام لابن الكلبي
(5) تكوين 25: 32-34
(6) تكوين 28: 9
(8) هذه من القصص المعتم عليها في التاريخ الاسلامي ، حيث أن عبد الله و آمنة بنت وهب (والدا محمد) تزوجا في نفس اليوم الذي تزوج فيه أبوه عبد المطلب (جد الرسول) من هالة بنت وهيب لينجبا حمزة (عم الرسول) ، و لكن عبد الله مات في أول سنة من زواجه ، فكان من المنطقي أن يكون محمد في عمر حمزة عمه أو أكبر باعتبار حمزة ولد بعد محمد ، و لا يصح أن يكون حمزة أكبر
و لكن كتب التاريخ و السيرة تشير إلى أن حمزة أكبر من محمد ب 4 سنوات ، مما يعني أن محمد ولد بعد وفاة أبوه بأربع سنوات ، بل و تؤكد أن حمزة قتل في موقعة أحد و عمره 59 عام في الوقت الذي كان عمر محمد 55 عام (ولد 570 م وموقعة أحد عام 625 م بفارق 55 عام) ، و قد قالت قريش عن محمد أنه الكنخلة في ربوة أي لا أصل له ، بل أن قبيلة كندة زعمت أنه منهم و لم يعترض محمد ، بل و تؤكد السيرة الحلبية أن آمنة تقول بأن حمل محمد كان أخف حمل لها ، مما يشير إلى أنها حملت أكثر من مرة و أن محمد لم يكن الأول !!!
المصادر: السيرة الحلبية (باب تزوج عبد الله من آمنة) ، الاستيعاب في تمييز الأصحاب لأبن عبد البر (باب محمد رسول الله) ، الطبقات الكبرى لأبن سعد (باب وفاة عبد الله بن عبد المطلب ، و كذا في الطبقة الأولى باب قتل حمزة) ، كتاب عيون الأثر في المغزي و السير لأبن سيد الناس ، الاصابة في تمييز الصحابة لأبي حجر العسقلاني (باب حمزة) ، البداية و النهاية لأبن كثير (باب تزويج عبد المطلب لأبنه عبد الله ج2 ص 316) ، دلائل النبوة للحافظ بن نعيم الاصبهاني .
(10) الروض الأنف ج1 ص 380
(11) كتاب قس و نبي لأبي موسى الحريري ص 20
(13) السيرة الحلبية ج1 ص 147-156
(14) المائدة 75
(15) المائدة 17، 72
(16) المائدة 110
(17) النساء 157
(18) النساء 171
(19) المائدة 72
(20) صحيح البخاري 3 باب بدء الوحي:
"3 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْىِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِى النَّوْمِ ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِىَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ ، فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا ، حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِى غَارِ حِرَاءٍ ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ اقْرَأْ . قَالَ « مَا أَنَا بِقَارِئٍ » . قَالَ « فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ اقْرَأْ . قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ . فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّى الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ اقْرَأْ . فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ . فَأَخَذَنِى فَغَطَّنِى الثَّالِثَةَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِى فَقَالَ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ) » . فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَرْجُفُ فُؤَادُهُ ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رضى الله عنها فَقَالَ « زَمِّلُونِى زَمِّلُونِى » . فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ « لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِى » . فَقَالَتْ خَدِيجَةُ كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ . فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ - وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِى الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِىَّ ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِىَ - فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ . فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ يَا ابْنَ أَخِى مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَبَرَ مَا رَأَى . فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِى نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - يَا لَيْتَنِى فِيهَا جَذَعًا ، لَيْتَنِى أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَوَمُخْرِجِىَّ هُمْ » . قَالَ نَعَمْ ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِىَ ، وَإِنْ يُدْرِكْنِى يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا . ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ وَفَتَرَ الْوَحْىُ "
(21) الحديث السابق و أيضا صحيح البخاري 4953
(22) سيرة بن هشام ج1 ص 239 (امتحان خديجة برهان الوحي)
(23) سيرة بن هشام ج1 ص 469- 472
(24) راجع الحديث في (20)
(25) الانبياء 5
(26) صحيح البخاري باب التعبير 6982 –" ..... ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّىَ ، وَفَتَرَ الْوَحْىُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا بَلَغَنَا حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَىْ يَتَرَدَّى مِنْ رُءُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ لِكَىْ يُلْقِىَ مِنْهُ نَفْسَهُ ، تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا . فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْىِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ ، فَإِذَا أَوْفَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ( فَالِقُ الإِصْبَاحِ ) ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ ، وَضَوْءُ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ "