For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.

الثلاثاء، ١٥ ذو الحجة ١٤٢٨ هـ

الراقد .. و أسطورة ( مدة الحمل ) في الشريعة الإسلامية

 

 

عامر الأمير

هناك أسطورة يؤمن بها الشعب الليبي ألا و هي أن مدة حمل الطفل في بطن أمه بعد وفاة والده قد تصل حتى خمس سنوات !! و يسمى ذلك عندهم ب ” الراكد ” أي الراقد في بطن أمه !!! و هناك حكاية تروى أن طبيبا ليبيا سألوه عن رأيه بالراقد فأجابهم : أنه كان ” راقدا ” !!! .. وقد كنت أظن أن أسطورة ” الراقد ” تلك هي مجرد واحدة من الأساطير الشعبية الليبية ؛ حالها كحال العديد من الأساطير التي تؤمن بها الشعوب !!! … لكنني فوجئت بعد تصفحي لكتاب يخص فقه المذهب المالكي ؛ أن مدة حمل المرأة شرعا قد تصل الى 4 أو 5 سنوات !!! و بعدها بفترة وجيزة فوجئت أن الإمام مالك نفسه صاحب المذهب الإسلامي المعروف قد حملت به أمه ” رقد “ مدة أربع سنوات ؛ كما تذكر ذلك عدد من الكتب التراثية الإسلامية !! ثم بعد قيامي ببحث الموضوع في عدد من كتب التفاسير القرآنية ذات الوزن الثقيل كتفاسير الطبري و إبن كثير و القرطبي وجدت أن كافة المذاهب الإسلامية تقر بأن فترة حمل المرأة تمتد الى أكثر من المدة المعروفة عن الحمل و قد تصل في بعض الحالات الى بضع سنين … و يروى عن عائشة قولها بأن مدة الحمل قد تصل الى أكثر من سنتين !!! و هناك رأي غريب يذكره القرطبي في تفسيره ؛ على أن بعض جمهور المسلمين يرى ان حمل المرأة قد يستمر حتى الى مدة عشر سنوات !!! و السؤال هو هل ” الراقد ” او طول مدة الحمل هي طريقة لجأ اليها العقل العربي الاسلامي لأخفاء زنا الأرملة أو المرأة التي يغيب عنها زوجها مدة طويلة ؟؟؟ .. و الغريب أيضا أن الفقهاء المعاصرين مثل ( مفتي مصر ) لا يعير إهتماما لما تقر به العلوم الطبيعية عن مدة الحمل ؛ إذ يصر على أن الشرع لا يدين المرأة التي يغيب عنها زوجها بالزنى إن حملت ضمن المدة المقررة بأربع سنوات !!! و يسخر د. أحمد صبحي منصور ( القرآني - المنشق عن مشيخة الأزهر ) من فقه ” السنة ” ؛ و يتهمه بأنه يشرع و يشجع على الزنى !!!

و لا نريد هنا الإدعاء بكوننا من الضالعين المتعمقين في معمعة المسائل الفقهية الإسلامية العويصة ؛ لكن لايغيب عن ذهن كل من يتتبع ما يصدره الفقهاء المعاصرون من فتاوى تضرب بعرض الحائط أبسط بديهيات العلوم التجريبية ؛ لا يسعه إلا الإعتراف بأن هنالك حقا الكثير من الهفوات في تعاليم الديانة الإسلامية التي تدعي أنها صالحة لكل زمان و مكان !!! و هنالك الكثير من الدلائل التي تشير بوضوح الى وجود تلك الهفوات و التناقضات التي ماعاد لها مكان تحت شمس عصر العلم الساطعة .. و بالتالي لابد من إيجاد مخرج يتلائم مع متطلبات الحياة المعاصرة و ذلك بتبني طروحات حديثة تفكك و تجدد المعتقد الإسلامي السكوني المترسخ منذ أكثر من ألف عام ؛ و تفضح المستور أو المسكوت عنه أو ( اللامفكر فيه - وفق مصطلح محمد أركون ) !! مع علمنا مسبقا أن العقل المؤمن هو ساكن راسخ بطبيعته لا يستسيغ التغيير الصادم و يتمنع على النقد العلمي الموضوعي ؛ فهو قد إعتاد على عقيدة ترسخت و وقرت في ( القلب !!!) لسنوات طويلة ؛ و دخلت الى حيز الوجدان فأصبح من الصعب بمكان إنتهاكها !!! هذا ما يقوله كبار المفكرين المابعد حداثويين و قد قرأوا النصوص على ضوء هذا الفكر التفكيكي الحديث الذي يعد أهم فكر معاصر يدرس في أرقى الجامعات الأوربية !!!

لقد حاول عدد من المفكرين المابعد حداثويين أمثال د. نصر حامد ابو زيد و د. محمد أركون و الأول مفكر أسلامي تجديدي و الثاني أستاذ الفلسفة الأسلامية في السوربورن ؛ قراءة النص القرآني قراءة تأريخية تفكيكية مجازية تخرجه من مأزقه الحالي في تصادمه مع متطلبات العصر و قيم الحداثة .. لكن هيمنة رجال الدين على الجمهور ووسائل الأعلام بخطابهم ” التكراري التبجيلي ” هو من يسير عقل المتلقي ( العربي - المسلم ) الذي يستقبل ذلك الخطاب و يردده كالببغاء ؛ دون الحاجة الى عناء التفكر و التفكير فيما يقال و يشاع !!! و بالتالي تتعطل عنده الحاسة النقدية بعد أن تتشبع حواسه و جوارحه بما يقوله هؤلاء المشايخ المضللون !! و لذلك تراه لا يعلم شيئا عن القراءات الحديثة أو المصطلحات الفلسفية الحديثة التي لو تم هضمها و استيعابها من قبل الجمهور المسير و المؤدلج ديماغوجيا لأستطاع ذلك الجمهور من تقبل الفكر الحداثوي و تجاوز القراءة اللاتاريخية المتعالية للنص القرآني الواقع تحت ضغط متطلبات العصر و قيم الحداثة و حقوق الأنسان و حقوق المرأة و حقوق الطفل و مبدأ حرية الإعتقاد و اللا إعتقاد و تقبل الآخر و التعايش السلمي و نشر ثقافة التسامح و عدم نبذ الآخر أو احتقاره أو تكفيره أو الدعوة المقدسة الى قتله و تصفيته … إضافة الى تقبل الممارسة الديموقراطية و التعددية الحزبية و الفلسفية …….. الخ !!

يعاني النص القرآني من مأزق و محنة كبيرة ؛ و ما مسألة مدة الحمل الطويلة ؛ أو ( الراقد ) إلا واحدة من المسائل العديدة العالقة التي ينبغي إضاءتها ثم تجاوزها بتبني قراءة جديدة نقدية تأريخية للنص ( المقدس ) كخطوة أولى للأنعتاق و تفكيك العقائد الأسطورية ؛ لتحرير العقل ” المسلم ” كي يفكر و يبدع و يساهم في صناعة الحضارة الحديثة … فهل يعي المسلمون و في مقدمتهم رجال الدين و الفقهاء ؛ هذه الحقيقة ؟؟ أم أنهم سيماطلون كعادتهم ويبررون و يدافعون دفاعا ( تبجيليا ) غير مجدي ؛ فيستمرأون الخدر و السكون العقلي و الفكري ؛ من خلال التغني بالماضي العتيق أو بالهروب من مواجهة قيم الحضارة الأرضية ؛ الى جنة الفردوس السماوي من خلال إرتكاب أعمال العنف و الإرهاب و الإنتحار ؟؟!!

نتمنى ان يدرك ( العرب ) المسلمون ذلك قبل فوات الأوان !!! رغم حقيقة أن الأوان قد فات فات !!!