خدعة التبشير أم خدعة التفسير ؟
هل قال توما : ( ربي والهي) من الذهول ؟
بقلم NewMan
خرج علينا احد المسلمين، وهو المدعو (فاضل سليمان) في حلقات تلفزيونية مطروحة على اليوتوب، بعنوان (خدعة التبشير)، وبدأها بأنه لا يهاجم اخوانه المسيحيين ولكنه ينبه اخوانه المسلمين لما اسماه ، اسلوب المبشرين في خدعة المسلمين.
لم يتوقف الامر عند هذا الحد، فقد بدأ الاخ (فاضل سليمان) بتفسير الكتاب المقدس باسلوبه الخاص، مظهرا نفسه بأنه يحاول تقديم حقيقة المسيحية من الكتاب المقدس، محاولا تقليد جناب القمص المحترم (زكريا بطرس) عندما يقوم بتقديم حقيقة الاسلام، ولكنه نسي او تناسى، ان جناب القمص (زكريا بطرس) لا يفسر القرآن او الاحاديث باجتهاده، بل يدّعم كل كلمة يقدمها بالتفسيرات الاسلامية من امهات الكتب ، بذكر اسم المرجع والمصدر، فشتان الفارق بين اظهار الحقيقة وطمسها ، بين (خدعة التبشير) والتي تكشف الاكاذيب والحقائق من مصادر معتنقي العقيدة وبتفسيراتهم وكتبهم ، وبين مايقدمه (فاضل سليمان) وهو لا يمكن وصفه الا بحقيقة البرنامج وهو (خدعة التفسير).
******************
واحدى الامثلة الواضحة في كلام (فاضل سليمان) هي القول بان توما قال (ربي والهي) عندما رأي المسيح، انما هو الذهول وعدم التصديق ، وشبهه بأنك عندما تسمع شيئا غريبا تقول (ربي) .. (الهي) .. (oh my God) على حد تعبيره.
ولم يشرح لنا الاخ المسلم، من اين جاء بهذا التفسير العجيب؟ هل وجده في اي من الكتابات المسيحية، لكي يظهر لنا كذب المبشرين عن الحقيقة التي يؤمنون بها ؟ بالطبع لم يذكر لنا اسم كتاب او تفسير او مفسّر مسيحي، قال بهذا المبدأ العجيب ،فكيف يقبل المسلم بل والمسلمين المستعين له ان يقوموا بتفسير الكتاب المقدس بهذه الطريقة المبتورة والمصطعنة، بل والكذب على المستمعين جهارا نهارا في (خدعة التفسير) الواضحة والجلية ؟
وللرد ببساطة ، ولكشف كذب وتدليس هذا التفسير الاسلامي، نقول:
******************
اولا : نرجع الى النص وسياقه من الترجمة العربية.
ترجمة فاندايك :
( 26 وبعد ثمانية ايام كان تلاميذه ايضا داخلا وتوما معهم.فجاء يسوع والابواب مغلقة ووقف في الوسط وقال سلام لكم.27 ثم قال لتوما هات اصبعك الى هنا وابصر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا.28 اجاب توما وقال له ربي والهي.29 قال له يسوع لانك رأيتني يا توما آمنت.طوبى للذين آمنوا ولم يروا 30 وآيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب.31 واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه)(يوحنا 20: 26 - 31)
النص العربي واضح ، ان توما يوجه كلامه لشخص الرب يسوع المسيح (وقال له) اي انه يوجه له الخطاب بانه هو المسيح المعنيّ بالقول (ربي والهي)، فهو ليس هتاف الدهشة ، ولكنه هتاف الاعتراف له .
النص اليوناني :
καὶ ἀπεκρίθη Ὁ Θωμᾶς καὶ εἶπεν αὐτῷ ὁ κύριός μου καὶ ὁ θεός μου
وحيث ان اللغة اليونانية قريبة من الانجليزية اكثر من العربية ، فلنقرأ الترجمة الانجليزية.
And Thomas answered and said unto him, My LORD and my God.
واضح ايضا من النص اليوناني والترجمة الانجليزية له ، ان توما يوجه الكلام الى المسيح ، فهو يعترف له بانه (ربي والهي)، وهذا واضح في الجملة التالية ، فهو يستخدم نفس التعبير ان المسيح (اجابه وقال له ) اي لتوما ، فالخطاب متبادل بين هذين الشخصين وليس فيه اي جملة او مقولة غير موجهة الى طرفي الحديث.
λέγει αὐτῷ ὁ Ἰησοῦς Ὅτι ἑώρακάς με Θωμᾷ πεπίστευκας μακάριοι οἱ μὴ ἰδόντες καὶ πιστεύσαντες
Jesus saith unto him, Thomas, because thou hast seen me, thou hast believed: blessed are they that have not seen, and yet have believed.
****************
ثانيا: فهم معنى الكلام في سياقه:
البشارة هي تسجيل يوحنا، الذي بدأ بالقول :
في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله .... والكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب مملوء نعمة وحقا. (يوحنا 1: 1 و 14)
فاعتراف توما للمسيح (ربي والهي) هو امتداد لنفس كلام الوحي ان السيد المسيح بالفعل هو الله الظاهر في الجسد.
******************
ثالثا: ماهي مناسبة هذا الحديث ؟
بالطبع لم يذكر الاخ المسلم (فاضل سليمان) في سياق طريقته في (خدعة التفسير) ما هي الحادثة او الظروف التي دار فيها هذا الحوار، فمجرد ذكر الموقف سيهدم تماما تفسيره ، بل والعقيدة الاسلامية كاملة، فالموقف هو ظهورات السيد المسيح القائم من الاموات بعد موت الصليب، ولهذا ف (توما) الذي لم يكن حاضرا في ظهور المسيح للتلاميذ، يقول انه لن يؤمن بالقيامة الا اذا رأي المسيح ووضع يده في اثر المسامير والطعنة التي تلقاها في جنبه بعد موته على الصليب.
******************
رابعا: ماهو الذي طوبه المسيح في اعتراف توما؟
وهذا مافات الاخ المسلم (فاضل سليمان) في تفسيره، لانه يحاول في (خدعة التفسير) ان يقوم بما يفعله المسلم في تفسير القرآن وهو بتر الكلمة من سياقها وتأويلها وحدها خارجا من السياق لعله يخرج من التناقضات التي تظهر في الصورة الكاملة، وهذا الاسلوب في التفسير لا نفعله نحن المسيحيون، فسياق المشهد كله ان توما يعترف للمسيح ويقول له (ربي والهي) ويستمر المشهد في رد المسيح على كلام توما وتطويبه لمن يؤمن بايمان توما بدون ان يرى، فما هو الايمان الذي اعلنه توما بقوله (ربي والهي) اذا كانت المقولة هي الدهشة ؟؟
بالطبع ليس لها اي معنى ، ولكن اذا كان بالفعل توما يعترف للمسيح بالقول له والاعتراف به (ربي والهي) فهذا الايمان هو الذي يطوبه المسيح، والذي طوبّه ايضا لبطرس حينما اعترف له بانه المسيح ابن الله الحي (راجع متى 16: 16 - 17)، وهو نفس الايمان المطلوب من المسيحيين الذي ختم به الوحي على لسان (يوحنا) هذه الفقرة فيقول (واما هذه فقد كتبت لتؤمنوا ان يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم اذا آمنتم حياة باسمه) فهل يخفي على الاخ المسلم ان الاعتراف بأن المسيح هو ابن الله، هو اعتراف كامل بانه الله الظاهر في الجسد ؟ وهدم لكامل العقيدة الاسلامية من جذورها؟
******************
خامسا: الاعتراف بالقيامة فقط كاف لهدم العقيدة الاسلامية.
نسي او تناسى الاخ المسلم (فاضل سليمان) ان يقول للمسلم في سياق كلامه (خدعة التفسير) انه حتى اذا كانت المقولة هي دهشة (توما) من رؤية المسيح وبيديه آثار المسامير وفي جنبة علامة الطعنة، فهذا وحده كاف بأن يهدم العقيدة الاسلامية من جذورها ، بل وتعلن ايضا لاهوت السيد المسيح بدون اي شك او حيرة او سوء فهم ، فانت امامك الان السيد المسيح الذي دخل العالم ، مولود من عذراء بدون زرع رجل، الذي صنع المعجزات الباهرة بكلمة قدرته (واتكلم بحسب الانجيل الذي يجادل فيه الاخ المسلم) فشفى المرضى والبرص، واقام المشلولين، وشفي اعين العمياء، بل وخلق عين للمولود اعمى بدون عيون، وفتح آذان الصم ، وافواه البكم ، واقام الموتى ، وأمر الطبيعة فأطاعته ، والشياطين فخضعت له ، وأعطى تلاميذه القدرة على اجراء نفس المعجزات باستخدام اسم يسوع المسيح الناصري، واخيرا ، فمشهد القيامة الذي جمع المسيح بتلميذه توما، فالمسيح قام من الاموات بقدرته الذاتيه (لم يصنع احدا معجزة لاقامته)!!!
فاذا لم يكن هذا الذي يقول له توما (ربي والهي) فلمن يقولها؟؟
******************
سادسا: ملحوظة على النص اليوناني.
وبمراجعة النص اليوناني مرة اخرى ، نجد ان الاعتراف (ربي والهي) جاء في النص العبري مسبوقا باداة التعريف (ὁ)، اي ان الترجمة الحرفية لها (الربّ خاصتي والله خاصتي) أو (الرب الذي لي والله الذي لي).
النص اليوناني :
καὶ ἀπεκρίθη Ὁ Θωμᾶς καὶ εἶπεν αὐτῷ ὁ κύριός μου καὶ ὁ θεός μου
ويتضح الان جليا، ان هذا التفسير الاسلامي، ليس له اي مصداقية او مرجعية في النص اليوناني، ولا حتى سياق الحديث، فطريقة صياغة الجملة كلها لتوما، وتوجيهها للمسيح شخصيا، لا يمكن اساءة فهمها، كما يحاول الاخ المسلم ان يوضح ان كل المسيحيين بلا استثناء على مر العصور وفي كل مكان وزمان ، اساءوا فهم النص او تفسيره ، حتى يمّن الله علينا بالاخ (فاضل سليمان) ليشرح لنا كتابنا ويعرفنا ما لم نعرف !!!
ليت الاخوة المسلمون يقتدون بما يفعله المسيحي عندما يستشهد من العقيدة الاسلامية من كتب المسلمين ومصادرهم ومفسريهم ، فنحن لا نفسر لكم ، ولكن نسألكم عن ايمانكم وتفسيركم، اما نحن فلدينا الكتاب المقدس يفسّر نفسه ويشرح نفسه بنفسه، فالادلة على ان المسيح هو الله الظاهر في الجسد تملأ الكتاب المقدس من اوله الى آخره، ويجب ان يعرف المسلم ان هناك فرق بين ان (يقول) المسيح انه هو الله، وبين ان (يعلن) عن نفسه انه هو الله الظاهر في الجسد بالاقوال والافعال.