For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.

الأربعاء، ٨ أغسطس ٢٠٠٧

الثالوث - القديس باسيليوس الكبير

الإيمان بالأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد  (منقول عن الأخ فادي)

عندما سلمنا ربنا صيغة الإيمان بالآب والابن والروح القدس, لم يقرن هذه النعمة بعدد فهو لم يقل باسم الأول والثانى والثالث ولا أشار إلى واحد واثنين وثلاثة. بل منحنا نعمة معرفة الإيمان الذى يقودنا إلى الخلاص, حتى أننا نخلص بالإيمان وبمعرفتنا بأسماء الأقانيم المقدسة, أما العدد فقد اخترعه العقل كوسيلة لحصر الكميات. أما الذين يجلبون الدمار على أنفسهم, فيريدون استخدام طريقة "العد" ضد الإيمان. ومع أن الأشياء لا تتغير إذا حسبت عددياً كلٌ بعد الأخر فى تسلسل عددى، إلا أن أولئك الذين يرون استخدام العدد فى الكلام عن الطبيعة الإلهية يتجاوزون الإكرام اللائق بالباراقليط.... ونحن نعلم عن كل أقنوم على حدى،

 

وإن كان يجب علينا استخدام الأعداد، فإننا لا نسمح لأنفسنا، فإننا لا نسمح لأنفسنا بأن تحملنا قواعد الحساب إلى تعدد الآلهة فى الوثنية. نحن لا نجمع بالإضافة واحد زائد واحد وبذلك نتدرج من الوحدة إلى الكثرة. كما أننا لا نقول واحد, اثنان, ثلاثة ولا نقول أولاً وثانياً وثالثاً بل مكتوب "أنا الله الأول وأنا الآخر" (إش44: 6). ولم نسمع قط حتى هذا اليوم عن إله ثان بل أننا نبعد الإله من الإله, ونعترف بتمايز الأقانيم وفى نفس الوقت نتمسك بالوحدانية. ولا نبدد اللاهوت بتجزئته إلى أقسام متعددة, بل جوهر واحد غير مجزأ نراه فى الله الآب والله الابن الوحيد. ووحدة بلا انقسام لأن الابن فى الآب والآب فى الابن وهو ما ينفى وجود اختلاف بينهما, بل يجعلهما جوهرًا واحدًا. وبالتمايز هما الاثنان أقنوم وأقنوم وبالاشتراك فى الطبيعة الإلهية الواحدة هما واحد. كيف إذاً وهما واحد وواحد ليس اثنين؟

السبب هو أننا نتحدث عن ملك واحد وعن صورته, وهذا لا يعنى وجود ملكين. فلا السلطة ولا القدرة ولا المجد ينقسم, بل السيادة والسلطة والحكمة هى واحدة. وفى اللاهوت نفس الوضع لأن المجد الذى نقدمه لله يقدم إلى الواحد وليس إلى تعدد الآلهة, لأن إكرام صورة الملك هو إكرام الملك. وفى حالة الملك والصور فإن الفرق بين الملك والصورة هو فى الطبيعة, إذ هى تمثل الملك, أما فى حالة الآب والابن فالطبيعة واحدة. وفى الفنون يحاول الفنان أن يرسم شبيهاً متقناً, أما فى اللاهوت فالطبيعة الإلهية بسيطة غير مركبة فإن الوحدة بين الآب والابن هى وحدة قائمة على الشركة فى الجوهر الإلهى بينما الوحدة بين الملك والصورة هى وحدة فى الملامح فقط. واحد هو الروح القدس الذى هو واحد مع الآب الواحد والكل هو الثالوث المبارك المسجود له.

وواضح بشكل كافٍ أن الروح القدس قائم فى شركة الجوهر مع الآب والابن, لأنه لا يحسب ضمن الخليقة المتعددة بل نتكلم عنه كواحد لا مثيل له فى الخليقة. وكما أن الآب واحد والابن واحد, كذلك الروح القدس واحد وهذا يجعله بعيداً تماماً عن الطبيعة المخلوقة لأن الفكر السليم لا يسمح لنا بأن نضع الواحد الذى لا مثيل له والبسيط غير المركب مع الخليقة المركبة القائمة فى كثرة من الأجساد. أما الروح القدس فهو متحد مع الآب والابن فى وحدة لا مثيل لها.

وما ذكرناه سابقاً ليس هو المصدر الوحيد للبراهين على الشركة فى الجوهر, بل لأن الروح القدس "هو من الله" (1كو1: 12), ومعنى "من الله" ليس مثل الكلام عن الخليقة التى هى أيضاً من الله، بل المعنى الدقيق المتعارف عليه وهو انه صار من الله, ليس بالولادة مثل الابن وإنما مثل النفخة الصادرة من الفم. ولكن الفم هنا لا يعنى مطلقاً ذلك العضو الجسد, ولا نفخة الفم التى تتبدد بمجرد خروجها من الفم, بل هو الفم على المستوى الإلهى الذى منه يصدر الروح القدس أقنوماً حياً متميزاً بطبيعة التقديس الفائقة. وهكذا يمكننا أن ندرك وحدته مع الآب والابن، بينما يظل كيانه الإلهى غير المدرك فوق القدرة على التعبير.

 

ويقال عن الروح القدس أنه روح المسيح لتأكيد علاقته الروحية بالابن كما قيل "من لم يكن فيه روح المسيح فهو ليس منه" (المسيح) (رو8: 9). فبالروح هو وحده الذى يمجد الرب حسبما قيل "هذا يمجدنى"(يو16: 14).

ولكن ذلك التمجيد ليس مثل تمجيد الخليقة, بل يمجده لأنه "روح الحق" (يو14: 17). الذى يعلن الحق فى ذاته بكل وضوح وكروح الخدمة يعلن لى عظمة المسيح الذى هو " قوة الله وحكمة الله" (1كو1: 24). ولأنه البارقليط (المعزى) يعلن فى ذاته صلاح الباراقليط (الابن) الذى أرسله ويظهر فى كرامته وعظمة الذى منه انبثق (الآب).

ولكى ندرك أن الروح القدس ليس مثل الخليقة ولا منها، علينا أن نميز بين المجد الذاتى الذى يشع من ذات الله مثل إشعاع نور الشمس, والمجد الذى يعطى بحرية لمن يستحقه وهو مجد يضاف من الخارج. والمثل الواضح هو ما قيل أن " الابن يكرم أباه والعبد يكرم سيده" (ملاخى6:1). وإكرام العبد هو ما تقدمه الخليقة، أما الإكرام الآخر الذى يمكن أن يقال أنه إكرام المتساويين فى الكرامة فهو ما يحققه الروح القدس. وكما قال ربنا "أنا مجدتك على الأرض العمل الذى أعطيتنى قد أكملته (يو17: 4) يقال نفس الكلام عن الباراقليط " ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويعلنه لكم" (يو16: 14) وكما أن الابن يُمَجدْ من قِبل الآب كما قال " مجدتك وسوف أُمجدك أيضاً" (يو12: 28). وأيضاً يمجد الروح فالشركة فى الجوهر التى له مع الآب والابن, وبشهادة الابن الوحيد عنه التى يقول فيها " كل خطية وتجديف يغفر للناس, أما التجديف على الروح فلن يغفر"(مت12: 31).

وعندما نستنير بالقوة التى فينا, ونحدق النظر فى جمال صورة الله غير المنظور, ومن الصورة نبلغ إلى الجمال الفائق الذى للأصل وعندما يكون روح المعرفة حاضراً بلا انفصال فإنما فى ذاته, لمن يحب رؤية الحقيقة وقوة معاينة الصورة, لا من الخارج بل يقودهم إلى معاينتها فى ذاته (الروح القدس). وكما أنه لا أحد يعرف الآب إلا الابن (مت11: 27), وأيضاً لا يقول أحد أن يسوع هو الرب إلا "بالروح القدس" (1كو12: 3) ولم يقل بواسطة الروح القدس, بل يقول بالروح القدس, لأن الله روح والذين يسجدون له, فبالروح والحق يجب أن يسجدوا (يو4: 24), كما هو مكتوب, فى نورك نعاين النور أى باستنارة الروح " النور الحقيقى الذى ينير لكل إنسان آتٍ إلى العالم" (مز36: 9) ـ (يو1: 9) ـ وهذا يوصلنا إلى أن الروح القدس هو الذى يعلن فى ذاته مجد الابن الوحيد وأنه هو الذى يمنح للساجدين الحقيقيين المعرفة الحقيقية لله. إذن طريق معرفتنا بالله يبدأ بالروح الواحد من خلال الابن الواحد إلى الآب الواحد ولكن بعكس ذلك يصلنا الصلاح الإلهى وقداسة الله ومجد الملكوت من الآب بالابن الوحيد فى الروح القدس. وفى كلا الاتجاهين يظهر الاعتراف بالأقانيم ولا ينتهك الإيمان الحق بالوحدانية, أما أولئك الذين يعتمدون على فلسفة الأعداد ويقولون أول وثان وثالث بقصد إظهار اختلاف الأقانيم، فعليهم أن يعرفوا أنهم يجلبون مبدأ تعدد الآلهة من ضلال الوثنية ويحاولون إدخاله فى لاهوت المسيحيين النقى. وضلال الاعتماد على الأعداد ظاهر، لأنه يؤدى إلى الاعتراف بأكثر من إله ويصبح ثمة إله أول وثان وثالث. أما نحن فيكفينا التسليم الذى سلمه إلينا الرب, وكل من يمزج بين هذا التسليم والمعرفة الغريبة فإنه ليس أقل جرماً فى تعدى الشريعة من الوثنيين الضالين.

 

عن كتاب الروح القدس للقديس باسيليوس الكبير, الفصل الثامن عشر, الفقرات: 44ـ46, إصدار مطرانية الغربية للأقباط الأرثوذكس, الكلية الإكليريكية اللاهوتية, سلسلة آباء الكنيسة-11, تعريب جورج بباوى, القاهرة 1981, 123ـ128 .