For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.

الجمعة، ١٠ أغسطس ٢٠٠٧

مدخل إلى العقيدة المسيحية- الكنيسة

 

مدخل إلى العقيدة المسيحية

د.كوستى بندلى ومجموعة من المؤلفين

الفصل الثامن: الكنيسة

الفصل الثامن: الكنيسة.

* الروح القدس يحقق الكنيسة جسد المسيح :‏

* الكنيسة شركة المؤمنين فى مواهب الروح :

* الإكليريكى والعلمانى وعضوية شعب الله :‏

* مواهب الروح ومعية الكنيسة :

* شركة المواهب وشركة المائدة :‏

* القداسة هى الهدف :‏

*معية القديسين:‏

* شفاعة القديسين :‏

* يسوع المسيح الشفيع الوحيد :


الفصل الثامن

الكنيسة

" ..وبكنيسة واحدة، مقدسة، جامعة، رسولية..."

 

 

* الروح القدس يحقق الكنيسة جسد المسيح :

فى الكنيسة مهمتان: مهمة للمسيح ومهمة للروح القدس...

فالمسيح بتجسده، بأبعاد التجسد الكاملة أى الفداء والقيامة، وضع الأساس...

[ فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ اَلَّذِي وُضِعَ اَلَّذِي هُوَ يَسُوعُ اَلْمَسِيحُ ] [ 1 كورونثوس 3: 11 ]...

 

والأساس يصل إلينا نحن عن طريق الكلمة أيضًا، الكلمة المعبّر عنها بشتى المظاهر أى الإنجيل مقروءً، مدروسً، ممثلاً ومسكوبًا فى طقوس، فى خدمة وفى عبادة...

هذا هو الأساس...

 

هذا الأساس ينقله الروح القدس ويبنى عليه...

الروح القدس هو الذى ينشئ فى العتالم هيكل الله أى الكنيسة...

هيكل الله، حضور الله فى العالم، مؤسس وقائم على هذه الكلمة الواردة إلينا فى الإنجيل والتى ظهرت، أولاً، بشخص يسوع،...

وهذا الهيكل له نمو بالروح القدس الذى يشكل فى هذا العالم جسد المسيح...

أى أن هذه الكنيسة هى جسد المسيح...

أى هى محضر المسيح ومكان تجلّيه...

من هنا أنه يوجد عملان لا ينفصلان:

عمل المسيح البنيانى، الأساسى، ثم عمل الروح القدس الذى لا يأتى بمسيح جديد، بل يشكل المسيح فينا، ونفتحته هى التى تنشئ هذا المسيح فينا...

لهذا كانت الأسرار وهى مبنية على كلمة المسيح ولكنها محققة بالروح القدس...

مثال على ذلك:

المسيح عندما قال " ... خذوا كلوا هذا هو جسدى ... واشربوا منه كلكم هذا هو دمى ... لمغفرة الخطايا"، أسس سرّ الشكر...

كلامه هذا هو كلام التأسيس الذى أوجد هذا السر...

أما اليوم، بعد صعود المسيح، فالروح القدس هو الذى يبنى على هذا الأساس...

أى هو الذى يحوّل الخبز إلى جسد المسيح والخمر إلى دمه...

إذًا، فالمسيح يظهر ويشكل إنطلاقًا من خبز وخمر، بنفخة الروح القدس وبنزول هذا الروح على القرابين وعلى الجماعة...

كما أن كلام الله للإنسان فى الفردوس:

" تكثران وتملآن الأرض" أسس الزواج فجعله ممكنًا، إلا أن إتصال الرجل بالمرأة هو الذى يحقق كلمة الله...

الروح القدس هو، إذًا، المحقق لحضور المسيح...

 

* الكنيسة شركة المؤمنين فى مواهب الروح :

هذا الروح هو الذى يوحّد أعضاء الكنيسة وقد صاروا أعضاء فيها بالمعمودية...

ولكن يجب أن تتعمق عضويتهم وأن يقوى إنتسابهم للمسيح بالقداسة...

ما كانت المعمودية سوى مدخل إلى الكنيسة، ولوج إليها...

ولكن لايصل الإنسان إلى ملء قامة المسيح، أى لا يحقق الإنسان فى نفسه كل أبعاده المسيحية، كل قامته إلا بالنمو اليومى الدائم بالروح القدس...

ومعايشة المسيحيين بعضهم بعضًا وتساندهم بالمحبة هما اللذان يجعلان هذه الكنيسة شركة الروح القدس...

يقول الرسول بولس:

[ نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس لتكن معكم ]...

من هنا أننا نصبح جسدًا للمسيح أى نصبح واحدًا له ومتجلى وإمتدادًا ليس فقط بالمعمودية ولكن على قدر هذا النمو الذى هو، أصلاً، حصيلة الميرون...

هتذا يعنى أن نموّنا يأتى بالميرون وأننا به ندخل فى الميثاق مع الله...

فكما أن الإنسان فى العهد العتيق كان يولد وفى اليوم الثامن يُختن أى يدخل فى ميثاق الله، هكذا، فى العهد الجديد، يولد الإنسان للمسيح بالمعمودية ولكن بالميرون يدخل فى ميثاق الله أى العهد...

معاهدة الله بهذا السرّ وختم الله علينا، ختم موهبة الروح القدس...

 

روح القداسة هو الأقنوم الثالث...

وهذه القداسة تتمّ عن طريق توزيع المواهب المختلفة...

الكلمة المستعملة فى اللغة اليونانية والتى ترجمت فى العربية بكلمة موهبة Charisma وهى مشتقة من لفظة Charis  أى النعمة...

والنعمة تعنى، طبعًا، العطاء المجانى، أى أن الواحد يعطى الآخر لقاء لاشئ...

Charisma تعنى، حرفيًا، حصيلة النعمة فينا وهى التى ترجمناها ب " موهبة"...

وكلمة موهبة، فى العربية، تدل على الفاعلية والمفعولية...

تدل على المواهب " الله الواهب" - ولهذا يُقال أن فلانًا عنده موهبة للدلالة بذلك على أن الله هو الواهب -، وعلى الشئ الموهوب...

والمقصود ب Charisma هنا هو هذا العطاء الذى وُهبه الإنسان من الروح القدس، بل إن هذا العطاء هو الروح القدس نفسه...

ومعنى هذا أن عطاء الروح القدس لنا ليس شيئًا خارج الله، مستقلاً عنه ولكنه قوة تفيض من الله نفسه...

لذلك، كل من أخذ موهبة فقد أخذ الله: " أخذنا الروح السماوى"، ولكن الله له مفاعيل مختلفة...

 

* الإكليريكى والعلمانى وعضوية شعب الله :

يصف بولس الرسول، فى رسالته الأولى إلى أهل كورونثوس، مواهب الروح القدس...

[ فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجودَةٌ وَلَكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ.

وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ.

وَأَنْوَاعُ أَعْمَالٍ مَوْجُودَةٌ وَلَكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ.

وَلَكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ.

فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ. وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ.

وَلآِخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحدِ. وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ.

وَلآخَرَ عَمَلُ قوَّاتٍ وَلآخَرَ نُبوَّةٌ وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ وَلآخَرَ أَنوَاعُ أَلْسِنَةٍ وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ.

وَلَكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ قَاسِماً لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ كَمَا يَشَاءُ ] [ 1كورونثوس 12: 4 - 11]...

وثمة فى مواضع أخرى ذكر لموهبة الشفاء، مثلاً، وموهبة التدبير وموهبة ترجمة اللغات وموهبة النبوّة وما إلى ذلك...

هناك، إذًا، مواهب متعددة ومنها الموهبة العامة التى هى أن يكون الإنسان عضوًا فى شعب الله، ويسمّى فى العامية علمانيًا...

وربما أتت هذه اللفظة من السريانية " عُولِم"...

وهى فقط من علم أى الاهتمام يأمر هذه الدنيا...

العلمانى، فى العامية، تعنى من ليست له علاقة بالعلوم اللاهوتية الروحية ولكنه يتعاطى العلم الاعتيادى...

وإذا أتت من " عُولِم" فهى تعنى من يتعاطى شؤون هذه الدنيا...

هذا التفسير لكلمة علمانى خاطئ، طبعًا، وهو صادر عن التفكير اللاهوتى الغربى...

علمانى تعنى Laicos وهذه كلمة يونانية مشتقة من Laos التى تعنى شعب...

و Laicos اليونانية تعنى العضو، ومن الأفضل تعريبها بكلمة " عامّى" أى بالنسبة لعامّة الشعب...

وهكذا فإن العامى، أى الذى من الشعب، هو عضو فى الشعب الإلهى، والحقيقة أن كل إنسان، حتى الإكليريكى، عضو فى الشعب الإلهى، الإكليريكى عامى أيضًا، والقول الذى شاع فى هذه البلاد، وهو أيضًا هناك إكليريكيًا وعلمانيً، قول لا أساس له...

فكل من نال الميرون صار من شعب الله، والاكليريكى عندما صار إكليريكيًا لم يبطل أن يكون من شعب الله أى علمانيًا...

 

ضمن هذه الشركة المواهب متنوعة، الله ينوّعها...

هو الذى يجعل كلاً منّا عضوًا فى شعب الله، وهو الذى يعطى الحياة الأبدية للمؤمنين، أى أن حياة الله فيهم يعطيها هو بدفق دائم...

وإذا تآزرت هذه المواهب تتشكل الكنيسة...

أى يخرج المؤمنون من كونهم جماعة زمنية تعيش فى هذا التاريخ، جماعة سوسيولوجية، يخرجون من وضعهم الاجتماعى إلى وضع أبدى...

أى أنهم يأخذون حجمهم الإلهى عن طريق الروح القدس...

أى كما أن ثمة قوة فيهم حتى يشهدوا فى العالم، هكذا أيضًا، وبعكس ذلك، فيهم قوة حتى يتصفوا من تقلبات هذا العالم، من خطايا هذا العالم ليصبحوا شعبًا لله...

وعلى قدر ما يصيرون شعبًا لله يعودون ليشغلوا فى هذا العالم باستقلال عنه، أى تكون هناك، بينهم وبين العالم، فسحة من الحياة الأبدية...

فالحياة الأبدية التى فيهم تجعلهم يحكمون فى شئون هذا العالم ويوجهونه...

 

ولكن ثمة وجهًا إلى الله أولاً...

الروح القدس هو الذى يوجهنا إلى الله...

يوجهنا تعنى، فى العربية، يلفت وجوهنا إلى الله، يديرها حتى تتطلع إليه...

وعلى قدر ما تنظر هذه الوجوه باتجاه واحد، على هذا القدر، نكون كنيسة...

نصبح كنيسة على قدر ما يلتفت وجه كل واحد منا ليتطلع إلى الله...

ولكن، عندما نتطلع إلى الله ونحن نمارس الخدمة، تبقى لكل من موهبته الخاصة...

عندنا جميعًا موهبة العلمانية،أى موهبة الميرون، وهى أن نكون مختومين لله، محفوظين للمسيح، مخصصين له...

فإذًا، إذا كنا نحن مختومين ليسوع المسيح معنى هذا أننا ننفتح له فقط، فبهذا الاتجاه الواحد إلى الله، ونحن فى هذا العالم، نشكل الكنيسة...

الكنيسة إذًا، هى، دائمًا، متجهة إلى الله الآتى إليها، وهى، بسبب الخدمة من أجل تحويل هذا العالم، متجهة على العالم...

 

* مواهب الروح ومعية الكنيسة :

من هنا أنن نحتمل بعضنا بعضًا، كما يقول الرسول بولس فى رسالته إلى أهل رومية، ليس لمحاكمة أفكار، ونحمل بعضنا لاثقال بعض ولا ندين أحدًا بل نقبل الموهبة التى فى الآخر...

نقبل، مثلاً، أن فلانًا واعظ كبير وأن فلانا مدبّر صالح...

ولذلك، لا يفتش الواعظ الكبير عن أن يصبح مدبرًا أى إداريًا، وإذا فعل ذلك فإنما هو يضيع وقته لأن الروح القدس لم يعطه هذه الموهبة...

وايضً، لا يفتش الإدارى الكبير عن أن يصبح واعظًا...

الإنسان لا يستطيع أن يأخذ شيئًا لم يعطه إيّاه الله، أساسًا...

تبقى هناك، طبعا، جهود بشرية...

كل الأمور التى بمتناول الإنسان يجب السعى إليها...

الوعظ، مثلاً، يُتعلّم كتقنية، كفن، ولكن قد يستمر الواحد عشرين سنة فى تعلّم الفن وقد يُتقن خطابا سياسي وأدبيا دون أن يتوصّل إلى إتقان عظة دينية إذا لم تكن عنده النفحة لذلك...

 

الأسقفية، أساسًا، تجمع مواهب فى الكنيسة مختلفة كالتعليم والإدارة، وما إلى ذلك...

والأسقفية ليست سلطة وإمتيازًا ولكنها موهبة...

والإنسان لا يعمل، فى الأساس، شيئًا حتى ينال الموهبة...

فهو لا يستطيع أن يصنع نفسه كاهنا...

فإمّا أن يكون من بطن أمه كاهن ولا يكون...

وهو يستطيع أن يكتشف ذلك فيما بعد إذا كان موهوبًا له، والبطريرك يقول له ذلك والكنيسة جمعاء تستطيع أن تقول له ذلك...

يبقى أن أصحاب المواهب يتبنّون بعضهم بعضًا، يقبلون بعضهم بعضًا ويقبلون تنوعّهم...

هذه عملية من أصعب ما فى الدنيا: ان أقبل أن يكون فلان إداريصا بينما أنا لست إداريا، وأن يكون فلان معلما بينما أنا لست معلما...

والخطأ يكون عندما يهيج كل منا نفسه ليجمع المواهب كلها...

نحن نقبل التنوع لأننا نقبل الله مصدرًا للكلّ...

 

لا شك أنن، فى الكنيسة، حتى نكون معية يجب أن ننمى المواهب فى كل إنسان...

فالذكى مثلاً يجب أن لا نطمسه حسدًا ولكن نظهره لأن المسيح يستفيد من ذكائه، ولأن القضية التى نحملها تنجح بالاشتراك...

بالمحبة، إذًا، والتشجيع نجعل الآخرين يتقدمون...

إذا كانت تهمنا، فعلاً، مصلحة المسيح، فيهمنا بالتالى أن يبقى فلان تقيًا لا أن نقص له حواجبه وننمّ عليه...

ومن أجل هذا نستر بعضنا عيوب بعض...

من واجبنا، طبعا، أن نوقظ المواهب فى الناس، ذلك أن الإنسان لا يعرف نفسه موهوبًا...

المحبة الأخوية هى القوة التى توقظ المواهب...

فنحن، إذًا، نحيط الناس بعناية وعطف حتى تستفيق فيهم مواهب الروح القدس لتنمو بالتنوّع...

من هنا اننا لا نستطيع، إعتباطا، أن نقرّر ما هو الأكثر فائدة للكنيسة فى هذا لابظرف وذاك...

أى أننا لا نستطيع نحن أن نقرّر، مثلاً، أن الكنيسة، اليوم، بحاجة إلى إداريين فنأتى بأحسن الإداريين ونجعلهم رؤساء، وإكليروسً وغير ذلك...

هذا تفكير خاطئ...

لا نستطيع نحن ان نقرّر أن الكنيسة بحاجة إلى لاهوتيين أكثر مما هى بحاجة إلى ناس عمليين...

الكنيسة بحاجة إلى مواهب متنوعة ومتعددة كما رسمها الله على لسان الرسول بولس...

نحن ليس لنا أن نقرّر ما هو المهم وما هو غير المهم...

ما يكشفه الله أنه مهم هو المهم...

وبالتالى فإن هذه المواهب تتآزر ونوقظها نحن فى الناس...

 

* شركة المواهب وشركة المائدة :

إذا عرفنا ذلك فنحن نعرف أن هذه الشركة بين أصحاب المواهب تتوطد على قدر إلتفافنا حول المائدة، مائدة القرابين حيث يتغذى أصحاب المواهب لينتقلوا إلى العالم...

عندما نأكل جسد المسيح ونشرب دمه نكون، بالتالى، فى حالة التقوى بمواهب الروح كل حسبما وُهب...

الإكليروس والعلمانيون يشتركون معا فى حياة الكنيسة حسبما أُعطى كل منهم من مواهب الروح...

الاشتراك الأمثل والضرورى جدًا والذى لا حياة لنا بدونه هو الاشتراك بجسد ابن الله فى كل قداس إلهى حيث تكون ال " بيرارخيا"...

وال " بيرارخيا" كلمة يونانية ليست لها ترجمة فى أيّة لغة، وهى تعنى الجماعة المتشاركة...

إنها مشتقة من كلمة تعنى القدسى...

وهى تعنى هنا المبدأ القدسى...

وباتصال الكلمتين صارت تعنى المشاركة حسب رتب مختلفة...

ال " بيرارخية" عندما صورها ديونيسيوس الأريوباغى - راهب من القرن السادس، وهو على الآرجح، سورى - صوّر المائدة المقدسة وحولها الأسقف والكهنة والشعب المؤمن وتسع طغمات منها المعمودية والميرون، وهذه الطغمات صورها واقفة حول المذبح...

وفى السماء أيضًا تسع طغمات ملائكية حول العرش الإلهى...

الرتب هنا على الأرض تناسب التى فى السماء...

هذا يعنى، بكلمة ثانية، أن عمل الله ينبث من القرابين، من المذبح، وهكذا إلى هذه الحلقات الملحقة حول جسد ابن الله...

هذا ما يسمّى بال " بيرارخيا"... 

الذى نال الميرون صار فى ال" بيراخيا" العامة فى الكنيسة...

فجسد ابن الله، إذًا، هو المصدر، ولكنه يأتى أيضًا بحلول الروح القدس على القربان والخمر...

وبالتالى فإن تناولنا لجسد ابن الله هو تناولنا لقوة الروح القدس...

بالنتيجة، إن جسد ابن الله يجمعنا بمعنى أن كلاً منا يزداد فى موهبته، وهكذا يرتفع مستوى الكنيسة...

 

ليست غاية المناولة، إذًا، أن يسر الواحد به ويشتاق إليها فقط، غاية المناولة أن تتشكل الكنيسة...

أن تصير موحدة لأننا بتناولنا الجسد والدم ننضم إلى ابن الله الجالس فى السماوات...

ينمو جسده وينمو كل منا بموهبته الخاصة وتنتقل الكنيسة من جسم مبعثر غارق فى الدنيويات والشهوات إلى جسم مُرَوْحَن أكثر فأكثر أى معبأ بقوة الروح...

 

* القداسة هى الهدف :

المسيحى، إذًا، هو من يسلك درب القداسة فى شركة الأخوة...

ليس من أحد يفهم إلا على قدر ما يتقدس...

ليس الفهم بالدماغ، إنه بالروح القدس إذا حلّ عليك...

دماغك لا يقدّم فى هذا ولا يؤخر، هو يفسّر لك بعض الأمور ويوضحها، والتوضيح والتفسير هما فقط لتنظيم الأشياء وترتيبها ولا يخلقان فاعلية إلهية...

كما أنه إذا شرحت أمامكم لوحة فنية فمجرد الشرح لا يخلق عندكم شعورًا بالجمال ما لم يكن فيكم حس الجمال...

ليست القضية بالشرح، والحياة المسيحية ليست بالمحاضرات ولكنها أن ينزل الله عليك ولا ينزل...

القضية قضية نعمة إلهية تأتى على الإنسان وعلى قدر قداسته بفهم...

ولكون الإنسان لا يستطيع أن يتقدّس لوحده وجب عليه أن يحب لكى يتقدس - فالذى لا يحب ليس عنده شئ - وعليه أن يعيش مع الجماعة فى خدمة عملية...

وعلى قدر ما يتساند والجماعة هذه، كلهم بعضهم مع بعض، يصبحون إنسانًا واحدًا فى المسيح يسوع...

إذا أحبت هذه الجماعة الموجودة هنا بعضها بعضًا حقيقة وفى الأعماق، وإذا تطهّر كل واحد فيها من شهواته، تصبح قادرة على الفهم والحياة فى المسيح يسوع...

العملية الأرثوذكسية هكذا تكون:

{ لنحب بعضنا بعضًا لكى، بعزم متفق ( بقلب صادق ) نعترف مقرين بآب وابن وروح قدس...}...

المحبة شرط المعرفة ومفتاح المعرفة...

ولذلك أن أتعاطى شهواتى المختلفة، والبغض والحقد والحسد والإغراء وما إلى ذلك وأن أذهب بعد ذلك لأقوم بإجتماع دينى فهذا غير ممكن، ذلك أن الناس الذين هم على شئ من البصيرة يدركون أن كلامى مكرر، مجتر وأنه مجرد نقل عن الكتب ولم يصدر من داخلى ويمر فى عظامى كلها لأننى ما زلت محافظًا على شهواتى وبالتالى لا يمكننى أن أتكلّم ولا أن أخدم...

ولذلك السؤال:

لماذا المسيحيون متقاعسون ومتكاسلون؟...

جوابه:

لأنهم لا يحبون الله ولأن خطاياهم تمنعهم من النشاط...

لا يوجد تفسير ثانٍ...

وليس فى الأرثوذكسية غير هذا التفسير الوجودى...

إذًا فهذه الشركة وهذه المعية تقويان بالمحبة اليومية العملية...

 

*معية القديسين:

إن المشاركة بين المؤمنين، بالروح القدس الواحد فيهم، لا يقطعها الموت...

المحبة أقوى من الموت...

وما سمّى شركة القديسين، ونترجمه هنا معيّة القديسين - والمعيّة كلمة عربية جميلة جدًا لا ترادفها كلمة فى أيّة لغة أخرى - وهى تعنى هنا القديسين الذين على الأرض والقديسين الذين فى السماء، بحيث أن الرسول بولس يسمى المسيحيين، هنا على الأرض، قديسين، وحيث أن القديس هو الذ خُصّص لمسيح وكُرّس له، والقديس ليس هو البطل، فالمسيحية ليس فيها ما يسمّى بطولة - هذه المعيّة تعنى أن ثمّة عُرى لا تنفصم بين الذين هم على الأرض والذين إنتقلوا إلى الله...

إن البروستانتية، حين ألغت ذكر القديسين الممجدين، حرمت نفسها من كنز لا يثمن...

حرمت نفسها من أن تبقى واحدة مع المواكب، مع هذه الأجيال البارة التى سبقتنا...

لأنه إذا كان المسيح واحدًا، إذا كان المسيح غالبًا الموت فغلبته تفعل الآن وإلا فليست شيئًا...

إذا قلنا أننا كلنا أموات ونفنى فى القبور وأن المسيح سوف يعيدنا إليه فقط فى اليوم الأخير فهذا القول يعنى أن ثمة فجوة بين قيامة المخلص واليوم الأخير وأن هذه الفجوة لا يسدها أحد...

 

خطأ البروستانتية الأساسى أنها لا تعرف الشركة...

هى تعرف أن الإنسان مع ربه فقط...

ولكن حقيقة الإنسان أنه مع الإنسان الآخر والله بينهما جامع...

ليس صحيحًا أنى أنا مع الله لوحدى...

أنا معكم وكلنا، بعضنا البعض، مع الله...

هذه هى الإنسانية، هذا هو جسد المسيح...

المسيح هو فى الذين يحبونه، هؤلاء أعضاء لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر...

والله الآب هو أبو هذه العائلة والمسيح يشكلها والروح القدس مبثوث فيها...

هذه حقيقة الإنجيل...

وحيث أن إيماننا أن المسيح قد قام حقًا فهو، من الآن، مهيمن على هذه الجماعة، أى أن قيامته، إنقاذه الإنسان من الخطيئة والفساد، هذه القيامة فاعلة وإلا فمعنى هذا أن اليوم الأخير مفصول عتن القيامة وكأن المسيح ذكرى نلهج بها...

أى أن ثمة هوة هائلة بين المجئ الأول والمجئ الثانى إذا لم يكن هناك قديسون، إذا لم يوجد أناس موصولون بعضهم مع بعض...

الكنيسة، بالتالى، فى جانب من جوانبها، وهى هذه الموصولية بين كنيسة الأرض وكنيسة الأبكار المكتوبين فى السماء...

وهتذه الموصولية تمثلها الكاس المقدسة عندما نضع فيها أجزاء الأحياء والأموات، بعد مناولة المؤمنين، فتمتزج الأعضاء الحية، أى الأحياء العائشون هنا، والأعضاء الذين انتقلوا إلى الله، الذين ذُكروا، والقديسون ممثلين بتسع طغمات عن يسار الحمل، ووالدة الإله التى هى عن يمين الجوهرة فى الصينية...

يتحد هؤلاء بالدم الإلهى...

هذا يعنى أن دم المسيح الذى سُكب انبث فى الدنيا ويجمع الأحياء والأموات، يجمع الذين مُجدوا فى قداسة معلنة والذين انتقلوا ولم يُمجّدوا فى قداسة معلنة ولكنهم يساهمون فى حياة الله والذين، هم على الأرض، يسعون سعيًا...

هؤلاء كلهم مربطون بعضهم مع بعض بدم الحمل الإلهى وهم معيّة...

 

ولذا فالإنسان ليس هو، فقط، ابن اليوم...

الإنسان مسنود...

أنا موصول، منذ ألفى سنة، بأناس سبقونى، بهذه المواكب التى تتعاقب بالشهادة والدم والأسقفية والذبيحة المستمرة...

 

* شفاعة القديسين :

من أجل هذا فالدعاء للقديسين - وهو ما يسمّمونه الشفاعة - هو نتيجة منطقية لكونهم:

[ وَلَيْسَ هُوَ إِلَهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلَهُ أَحْيَاءٍ لأَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَهُ أَحْيَاءٌ ] [ لوقا 20: 38 ]...

ويقول صاحب نشيد الأنشاد:

[ أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ ] [ نشيد الأنشاد 5: 2 ]...

إذًان فهؤلاء النائمون فى القبور ليسوا أمواتًا، قلوبهم يقظة...

وإذا أردتم تمييزًا فلسفيًا بين النفس والجسد، فنفوس هؤلاء، منذ الآن، قائمة من الموت...

نفوسهم قائمة بفعل المسيح وأجسادهم منحلة وهذه المقبرة ختمناها بالماء المقدس فأشرنا بهذه الطريقة الرمزية إلى أنها استهلال للقيامة، إنها بدء، إنتظار...

هذا الانتظار هو تطلّع على ما سوف يكون...

 

ولكن عندنا، هنا، امران:

عندنا - وهذا رأى أورثوذكسى وليس عقيدة - أن بعض الأجساد لا تفنى ولكن تبقى طرية، مثال على ذلك:

المطران صدقة الموضوع فى دير مارإلياس - شوبا، وقد توفى منذ ما يقرب من مئة وخمسين سنة ولم يزل اللحم على جسده وكذلك شعره...

وكثيرين من أجساد القديسين لم تر فسادًا محفوظة بالكاتدرائية بكلوت بك بالقاهرة...

عن هذه الحالات يقول سمعان اللاهوتى الحديث انها حالة وسط وأن ثمة إنتظار لملكوت السماوات بحيث أن الجسد لا ينحل ويبقى فى حالة وسطى للدلالة على أن هذه الأجساد سوف تبعث...

وبصرف النظر عن هذا الرأى، ثمة أمر آخر مهم هو بقايا رفات القديسين وبقايا الشهداء المحفوظة فى الكنائس والأديرة...

 

المهم هنا اننا نؤكد هذه المعية بكل هذه الرموز والأعمال، تؤكد هذه المعية الواحدة بيننا وبين الذين ذهبوا، نؤكد ان الروح القدس الواحد يجمع بينهم وبيننا...

 

ولهذا فالموقف الأرثوذكسى فى إستشفاع العذراء والقديسين، أى طلب دعائهم لنا، الموقف الأرثوذكسى فى ذلك ليس أنهم جسر يوصلنا إلى الله - ذلك أن الله أقرب إلينا مما هم إلينا، وهذا التصوير أن الله بعأيد وأنهم هم يقربوننا إليه تصوير خاطئ - إنما هو أنهم هم معنا فى صلاة واحدة...

والقضية هى فقط قضية ناس مرتبين حول عرش الله...

ويمكننا القول أن الذين سبقونا إلى المجد الإلهى انتهى جهادهم، أكملوا الجهاد الحسن...

من هذه الناحية هم ثبتوا فى سكون الله...

نحسبهم كذلك بحيث أننا نعتبر أنفسنا خطأة وأننا ما زلنا فى الجهاد فيما هم أكملوا الجهاد...

ولا يختلف موقف الإستشفاع هذا عن أى طلب شفاعة...

فمثلاً، عندما يقدّم أحدنا تقدمة للكنيسة فى عيد قديس ما يطلب إلى الكاهن أن يذكر له اسمه فطلب الشفاعة باسم هذا القتديس وذاك يكون من باب أن طلبة البار تقتدر كثيرًا فى فعلها...

البار يصلى، طبعًا فى الكنيسة، ولست أتكلم عن الصلاة الطقسية التى يرأسها الكاهن من حيث الوظيفة، ولكنى اتكلم عن الدعاء الخاص الذى نطلب فيه شفاعة الأبرار...

من هذه الناحية نحن نطلب شفاعة الأولين هؤلاء الذين ينتمون إلى الصف الأول من هذه الصفوف التى، فى النهاية، تتحلق كلها حول السيد المسيح...

 

* يسوع المسيح الشفيع الوحيد :

من هنا أنه يصبح سطحيًا هذا السؤال:

لماذا نصلّى طلبًا لشفاعة مريم العذراء عند الله فى حتين أن الشفيع الوحيد عند الله هو يسوع المسيح؟...

المسيح هو الشفيع الوحيد بين الله والناس ليس بمعنى أنه يقصينا ولكن بمعنى أنه يقصى شفاعة العهد القديم...

أى أن موسى لا يمكن أن يكون شفيعًا بين الناس والله، فالناس فى اليهودية بقوا مفصولين عن الله إلى حين أتى المسيح فاتحدهم به...

إذًا، فالوسيط الوحيد الذى يجمع بين الله والناس هو يسوع المسيح، كما يقول الرسول بولس...

أى هو الذى عُلّق على الخشبة...

فلأنه رُفع على الخشبة ومات ثم قام ألصق الله بالناس...

هذا يعنى أنه لا يوجد إلتصاق بين الله والناس عن طريق اليهودية ولكن عن طريق العهد الجديد...

وهكذا عبارة الشفيع الوحيد هى ليست لإقصاء مريم وبقية القديسين، كلمة وحيد هى لإقصاء الذين سبقوا أى لإقصاء شرعية اليهود...

وبالتالى فالمسيح يبقى الشفيع الوحيد بين الله والناس ونحن فيه...

إذًا، فهذا الشفيع الوحيد بين الله والناس هو المسيح النامى العملاق الذى ينمو من الآن وإلى آخر الدهر...

والذى يتناول جسد المسيح ودمه يلتصق به ويصبح جزءًا من المسيح...

إذًا، فالذى أصبح فى المسيح قائمًا من بين الأموات، الذى يتغذى من القيامة ويصبح إنسانًا قياميا، هذا الإنسان يصلى فى المسيح، من جوف المسيح يصلى ويبقى فى هذه الوحدانية المتشفعة، يبقى فى هذا الكائن الوحيد المتشفع من أجل الناس...