| |||
| |||
الفصل الأول: فى دستور الإيمان. دستور الإيمان النيقاوى القسطنطينى: Vأولاً: تلاوة دستور الإيمان جزء لا يتجزأ من القداس الإلهى: ثانيًا: دستور الإيمان يؤكد وحدة الكنيسة: ثالثاً: وحدتنا فى الإيمان ملتصقة بالمحبة: رابعًا: الالتزام الشخصى " أؤمن": الإيمان: با لحقيقة أؤمن. الله الآب: بإله واحد، الله الآب، ضابط الكلّ. الخلق: خالق السماء والأرض، ما يرى وما لا يرى، يسوع المسيح: وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، واحد مع الآب فى الجوهر، الذى به كان كل شئ، الذى من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، التجسد: وتجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنّس، الفداء: وصُلِب عنّا على عهد بيلاطس البنطى، وتألّم، وقُبر، وقام من بين الأموات فى اليوم الثالث كما فى الكتب، وصعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب، الدينونة: وأيضًا يأتى فى مجده ليدين الأحياء والأموات، الذى ليس لملكه إنقضاء، الروح القدس: نعم أؤمن بالروح القدس، الرب المحيى، المنبثق من الآب قبل كل الدهور، الثالوث القدوس: نسجد له ونمجده مع الآب والابن، الناطق فى الأنبياء، الكنيسة: وبكنيسة واحدة، مقدسة، جامعة، رسولية، المعمودية: واعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا القيامة: وأنتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى. وقد سُمّى بالنيقاوى القسطنطينى لأن قسما منه وُضع فى المجمع المسكونى الأول الذى انعقد السنة ال 325 فى نيقية... ثم اُكمل فى المجمع المسكونى الثانى الذى انعقد السنة ال 381 فى القسطنطينية... منذ العهد الرسولى تضمنت العبادة المسيحية الاعتراف العلنى ببعض عناصر مقومات الإيمان وخاصة عند الاستعداد لسرّ المعمودية وإقامته... وفى شرقنا المسيحى دخل دستور الإيمان النيقاوى القسطنطينى خدمة القداس الإلهى كجزء رئيسى منه فى القرن الرابع، وتصدّر الكلام الجوهرى... يُستهل دستور الإيمان بكلمة " أؤمن" وليس " نؤمن" ليظهر للشعب المسيحى قيمة الالتزام الشخصى لكل عضو فى الكنيسة... لذلك يجب أن لا نتلو دستور الإيمان تلاوة هامشية وأن نوكل ذلك إلى أى كان دون اشتراكنا الفعلى بذلك إذ المطلوب من كل مؤمن قبل اشتراكه فى تناول القدسات أن يتبنّى إيمان الكنيسة وأن يلتزمه شخصيًا... " أؤمن" هذا يعنى أنّى أنا فلان الحاضر فى هذه الكنيسة أؤمن أى أتبنى لا بشفتى فقط ولكن بكل كيانى هذه الكلمات التى وضعها آباء الكنيسة وسكبوا فيها الحقيقة المعلن عنه، جاعلينها بعملهم هذا فى متناول كل عقل مستنير بالإيمان بيسوع... ولقد قال المطران " فيلاريتوس"، مطران موسكو فى القرن الماضى، فى هذا الصدد: " ما دام إيمانكم محفوظا فى الكتاب المقدس وفى دستور الإيمان فهو مِلْكٌ لله وأنبيائه ورسله وآباء الكنيسة، إنه ليس لكم ولن تبدؤوا فى اكتسابه إلا عندما يتملك على أفكاركم وذاكرتكم ..."... ومن أجل الوصول إلى حالة كهذه علينا أن نسعى جهدنا لفهم الحقائق المُعبّر عنها فى دستور الإيمان ونسمح لها بالتغلغل فينا فتؤثر الكلمات التى نرددها ونسمعها فى القداس الإلهى فينا عميقا وتحولنا إلى أعضاء راشدين واعين لكنيسة المسيح... وهذا ما هدفنا إليه فى الكتاب الذى بين أيديكم... ولكن لا بدّ قبل الغوص فى ثنايا الكتاب من إبداء بعض الملاحظات التى نعتبرها هامة لفهم صحيح للعقائد المسيحية ولدستور الإيمان: إن تلاوة دستور الإيمان جزء لا يتجزأ من القداس الإلهى... هى تعبير عن قبول الجماعة للكلمة الإلهية وإعلان إيمانها بهذه الكلمة التى سمعوها عبر الرسالة والإنجيل فى القسم الأول من القداس ( قداس الموعوظين )... وهى كذلك تأكيد لإرادة الجماعة فى أن تصبح جسدًا واحدًا بتناولها الكلمة الإلهية فى سرّ الشكر... إذن، فتلاوة قانون الإيمان عمل ليتورجى، نشيد من أناشيد التسبيح فى الحياة الطقسية... العقدة والتسبيح مشدودان إلى بعضهما بعُرى لا تنفصم: " من يصلى فهو لاهوتى، واللاهوتى هو الذى يصلّى" قال الآباء قديما... إذًا لا يمكننا أن نتعرّف على الحقيقة الكامنة فى عقيدة ما بالتحليل العقلانى الصرف - فالعقل لا يمكنه أن يحصر الألوهة وأسرارها... ولكن يمكننا ذلك بالتسبيح والتأمّل... بالرجاء الكلّى فى رحمة الله وهو يكشف لنا حينئذ ذاته ويساعدنا على فهم سرّ محبّته... يقول أحد الآباء: " ليس المهم أن نتكلّم عن الله وعن حقيقة الله، بلّ المهم الأهم هو أن ندع ذواتنا تتطهّر بالله فتمتلئ منه ومن حقيقته"... اللاهوتى الحق، فى المفهوم الشرقى، هو القديس، لأن القديس قد حقق شركته مع الله... السعى إلى الله أساس الدين المسيحى... ودراسة دستور الإيمان ليست دراسة ميتافيزيقية، بل هى سعى صامت محبّ ودؤوب يعبق بالتسبيح... سعى إلى الحقيقة المعلنة من الله والمُعَبّر عنها بالمسيح يسوع ابنه والمحيية لنا فى الكنيسة بروحه القدوس... دستور الإيمان يؤكد أن وحدة الكنيسة هى، فى الأساس، وحدة فى الإيمان... والجماعة التى يشدّها إيمان واحد إنما تعبّر عن إيمانها جماعيًا مما يؤدى إلى صون وحدتها وإعلانها للملء... وهنا تجدر الإشارة إلى أن المؤمنين فى القرون الثلاثة الأولى لم يكونوا فى حاجة إلى التعبير عن إيمانهم بواسطة دساتير للإيمان... ولكن دفعهم إلى ذلك ظهور الهرطقات... يقول هيلاريوس فى القرن الرابع: " إن شر الهراطقة والمجدّفين يدفعنا إلى القول بالمحرّمات، كأن نتسلّق القمم التى لا تُطال ونتكلّم فى أمور لا يُنطق بها ونلجا إلى تفاسير ممنوعة. كان علينا الاكتفاء بأن نتمم بالإيمان وحده ما أمرنا به السيد: أن نسجد للآب ونكرم الابن معه وأن نمتلئ من الروح القدس. ويا للأسف فنحن الآن مضطرون لوصف الأسرار الفائقة الوصف. أن خطيئة الآخرين تسقطنا نحن فى هذه الخطيئة: أن نُعَرّض الأسرار إلى متناقضات " قصور" لغة البشر، بينما هى وجدت لنخدمها فى سكون قلوبنا"... هذا يعنى أن تشويه الهراطقة للحقيقة المسلّمة إلى الرسل فرض على الكنيسة وضع معتقداتها فى قوالب بشرية مع إدراكها تمام الإدراك أن الكلمات عاجزة كل العجز عن إحتواء الحقيقة كلها والتعبير عنها كليا... هذا الوضع جعل العقائد المسيحية تحوى - حسب الظاهر - تناقضات لا حصرلها... فمثلاً نقول بأن الله واحد وإنه فى الوقت ذاته مثلث الأقانيم... ونعترف بأن الله لا يُدنى منه وندعو فى الآن ذاته إلى حياة الشركة مع الله... ونٌقرّ بأن المسيح إله وإنسان فى آن... ونقول عن الكنيسة أنها منظورة وغير منظورة كذلك إلخ... كل هذه التناقضات - ظاهريًا - تعبّر مجتمعة عن الحقيقة... لكن الجمع بينها لا يتم على المستوى العقلى بلّ على مستوى الخبرة الروحية... وهذا هو معنى السر فى المسيحية... إنه ليس نظرية صعبة الفهم والادراك، ولكنه حياة نحن مدعوون لاختبارها فى جماعة المؤمنين الواحدة، أعنى بها الكنيسة... وكلما ازداد اختبارنا لحياة الكنيسة وجدناها أكثر وأعمق... وحدتنا فى الإيمان ملتصقة بالمحبة وملازمة لها... وهذه الوحدة تؤهلنا للوصول إلى وحدة الحياة الحقة فى اشتراكنا بالمسيح فى سرّ الشكر... وهذا واضح فى القداس الإلهى إذ ياتى دستور الإيمان مباشرة بعد دعوة الكاهن جميع المؤمنين لممارسة المحبة قائلاً: " لنحب بعضنا بعضً، لكى بقلب واحد، نعترف مقرين بآب وابن وروح قدس ثالوثًا متساوى الجوهر وغير منفصل"... وهذا يعنى أن جماعة المسيحيين المتحدة بالمحبّة على صورة الثالوث القدوس هى وحدها مؤهلة ومدعوة لإعلان الإيمان الواحد... المحبة الحقيقية توأمان لا ينفصلان... لا حقيقة معاشة دون المحبّة وخارجها... ولا محبّه حقة خارج الحقيقة... أخيرً، يذكرنا الالتزام الشخصى المنوه عنه فى كلمة " أؤمن" بدعوة دستور الإيمان لنا إلى الالتصاق بهذا التدبير الإلهى الذى يسرد أحداثه وإلى تغيير ذواتنا لكى نصبح سفراء للمسيح وشهودًا له فى هذا العالم... وبذلك تصبح الكنيسة الجامعة خادمة للعالم الحاضر كما كان سيدها... وهذا جلىّ فى تسلسل القداس الإلهى: v وحدتنا فى المحبة تؤهلنا لأن نعبّر عن إيماننا الواحد.. v تعبيرنا عن إيماننا الواحتد يؤهلنا للاشتراك فى الكأس الواحدة... v اشتراكنا فى الكأس الواحدة وسكنى المسيح فى قلوبنا يؤهلنا للتفتيش عن المسيح وخدمته فى كل مواضه سكنه، أى أيضًا فى الإنسان الآخر وفى العالم، مؤكدين بذلك أن سرّ الشكر لا يكتمل فعله فينا إلا إذا أوصلنا إلى المناولة فى " سرّ القريب" كما يقول القديس بوحنا ذهبى الفم... | |||
الجمعة، ١٠ أغسطس ٢٠٠٧
مدخل إلى العقيدة المسيحية -الإيمان
at ٢:١٠ م
Labels: عقيدة مسيحية