For God so loved the world, that he gave his only begotten Son, that whosoever believeth in him should not perish, but have everlasting life.

الخميس، ٢١ يونيو ٢٠٠٧

أساطير قرآنية (2) : الاعجاز اللغوي

يطالعنا المسلمون بين الحين و الآخر باعجاز جديد للقرآن ، ولعل آخر أنواع الاعجاز ما يسمى بالاعجاز العلمي للقرآن ، و الذي يخرج فيه علينا الأخ زغلول النجار بين الحين و الآخر بنبذة عبقرية عن اكتشافات العلم الحديث التي تتوافق و القرآن كما الخاتم في الاصبع ، ولا اعتراض بالطبع على هذا ، فللجميع الحق المطلق في تلفيق ما طاب من الدراسات العلمية و التحليلية وحتى الخرافية واللوذعية من أجل اثبات أن ما يرونه هو الحق المبين ، فكما أنه من حق الإنسان أن يبحث عن الحقيقة ، من حقه أيضا أن يخترع حقيقته و يستدفئ بها ، بل و يدعو الآخرين للاستدفاء معه .

قبل سلسلة حلقات الاعجاز العلمي ، ظل المسلمون طويلا يعيشون تحت دفء الاعجاز اللغوي ، و الذي يبدو لم يعد كافيا الآن و يلزمه المزيد من أنواع الاعجاز ، لدفن النص القرآني تحت مزيد من طبقات الاعجاز ، ومعه يدفن عجز النص الأصلي عن أن يكون نصا ذا معنى فبما بالك أن يكون مقدسا.

من حق زغلول أن يزغلل أبصارنا باعجازاته المنحولة ، ومن حقنا في الوقت نفسه أن نحلل وندرس ونفهم ما يؤكده لنا النص القرآني ، فهو معروض أمام الجميع ، ولا يستطيع أحد أن يمنعنا من نقد النص ، نقدا منطقيا كمدخل لمزيد من الدراسات الموضوعية بعيدا عن الدجل و الشعوذة و الأساطير.

تأتي فكرة الاعجاز القرآني اللغوي من أن لغة القرآن أعجزت العرب بفصاحة لسانهم العربي عن الاتيان بمثله ، لن أحاول الخوض في منطقية الاعجاز العربي الذي لا يتفق وما يدعيه المسلمون من عالمية الدعوة المحمدية ، بل سأتكفي بالتساؤل :هل يصمد هذا الزعم أمام نقد النص ؟ هذا ما تحاول هذه الدراسة السريعة أن تجاوب عليه بطرح مجموعة من الاسئلة المنطقية ...

****
أولا: هل بالفعل أعجز القرآن العرب عن الاتيان بمثله ؟

الاجابة الغير متوقعة هي .... لا

* فيخبرنا ابن هشام في كتاب السيرة أن النضر بن الحارث (1) كان يضع نصوصا تشبه ما وضعه محمد ولكن من أساطير الفرس ، وكان يقول" سأنزل مثل ما أنزل الله" ، فهاجمه محمد في القرآن متهما إياه أنه يضل الناس بلهو الحديث في سورة لقمان (2) ، ولم يكتف محمد بهذا ، فكان له بالمرصاد ولم تقبل منه الفدية يوم بدر فقتل على يد على بن ابي طالب (3).

* أما مسيلمة المدعو بالكذاب شاعر اليمامة ، فقد تحدى محمد بكتابات مثيلة للقرآن ، و أكد مشاركة محمد في النبوة فقال: "ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه" ثم جعل يسجع لهم الأساجيع ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن " لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى " (4) ، وكان مصيره هو القتل على يد وحشي أثناء حروب الردة لأنه تجرأ و تحدى القرآن (5) ، وقد جاء ذكره في القرآن في سورة الأنعام (6)

* أما المثال الثالث فهو عبد الله بن أبي سرح الذي كان من كتبة القرآن ، وكان إذا أملى عليه محمد "سميعا عليما"، كتب هو: "عليما حكيما"؛ وإذا قال: "عليما حكيما" كتب: "سميعا عليما". فشك وكفر وقال: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إلي، وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل الله، قال محمد: "سميعا عليما"، فقلت أنا: "عليما حكيما". فلحق بالمشركين (7) ، وبهذا قد شارك عبد الله بن أبي سرح بشكل أو بآخر في التشكيك في صدق الوحي المحمدي من أساسه ، ونستطيع بذلك أن نضيفه ضمن قائمة من تحدوا القرآن ضمنيا بأن كتبوا مثله ، بل أن كتاباته صارت جزءا من الوحي .

إذن لم يكن التحدي مسابقة مفتوحة لمن يريد مجاراة محمد في السجع ، بل كانت مسابقة مشروطة بشروط موضوعة مسبقا و نتيجتها محسومة من قبل على حد السيف ... ولكن الأسطورة التي مازال يحيا فيها المسلم حتى اليوم تؤكد أنه لم يوجد من يتحدى ، وهذا افتراض يحمل جزءا من الحقيقة فكل من تحدى اختفى من سجل الأحياء ، أو تم اخراسه ، فكانت النتيجة النهائية أعلان الفائز وهو القرآن !!!!

****
ثانيا: هل بالفعل كان القرآن مثالا لعربية بلا شوائب أو أخطاء لغوية ؟

الاجابة الغير متوقعة أيضا أن لا ...
فالقرآن بمفاهيم اللغة العربية وقواعدها -على الأقل التي نعرفها اليوم -لا يخلو من أخطاء وجروح لغوية يحاول الكثير من علماء اللغة و الأئمة أن يعصبوها ، فتأتي المحاولات زيادة في التشويه ، ومزيد من التخبط

ومنها بعض الأمثلة القليلة :

سورة البقرة 124: لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .
وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول الظالمون

سورة البقرة 177: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء ،
وصوابه: والصابرون معطوف على والموفون

سورة النساء 162 : لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً
والصحيح هو "المقيمون الصلاة"

سورة طه 63: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى
والصواب "إن هذين لساحران"

سورة الإنسان 76: 15 وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا
قَوَارِيرَا بالتنوين مع أنها لا تُنّوَن لامتناعها عن الصرف؟ إنها على وزن مصابيح

بالطبع في كل ما سبق سوف يتهمنا شيوخ المسلمين بالكذب والتحايل ، ويحاولون باستماتة أن يعصبوا الجروح اللغوية بتفسيرات هلامية تحاول هي أن تتحايل على معنى النص و تسقط عليه ما لا يحتمل ، ولكنهم لن يستطيعوا أن يعالجوا بعض الجروح اللغوية التي تظهر في القرآن مثل:

سورة المائدة 69: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ [وَالصَّابِئونَ] وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
وصوابه: والصابئين على أنها معطوف على منصوب

وعندما يحاول شيوخ المسلمين أن يعصبوا هذا الجرح الغائر في أصول اللغة ، يواجهون مأزق ، فالقرآن نفسه أتى بنفس الآية مرتين أخرتين ولكن بصحيح الأعراب في البقرة والحج

سورة البقرة 62: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى [وَالصَّابِئِينَ] مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ

سورة الحج 17: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا [وَالصَّابِئِينَ] وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

وهذا يضعهم في مأزق التبرير ، فهل يبررون الخطأ ، وصوابه موجود في النص القرآني نفسه ، أم يعترفون بالخطأ فيسقط إعجاز القرآن البلاغي و اللغوي من الأساس ، وفي هذا يجبن محدثي المسلمين عن مواجهة الحقيقة التي واجهها بشجاعة قدماء المسلمين فاعترفوا بالخطأ ، و إن لم ينسبوه للقرآن بل لأخطاء النسخ و أيدي البشر (8). وهم بذلك أضافوا عبء التحريف على القرآن ، وهو العبء الذي يحاول المعاصرون التنصل منه.

ولكي يستمر محدثي المسلمين في حروب طواحين الهواء ، تفتق ذهن بعضهم عن حلا عبقريا رابعا على أمثال الحلول العبقرية لزغلول النجار مما يقودنا للسؤال الثالث.

****
ثالثا: أيهما يحكم على الآخر العربية أم القرآن؟


لقد ادعى بعض المتفقهين أن قواعد العربية نشأت على يد سيبويه (ت 795 م) ، الذي وضع قواعد اللغة العربية متخذا القرآن مصدرا ، وبالتالي لا يصح أن نحكم على القرآن بقواعد اللغة العربية التي وضعت بعد القرآن وعلى مثال القرآن نفسه ، ولكن مع الأسف هذا يضع النص القرآني في مشكلتين أساسيتين :

المشكلة الأولى : أنه بما أنه لا يجوز أن نحكم على القرآن بقواعد اللغة العربية التي أنشأها القرآن ، فإنه بالمثل لا يصلح أن نقول باعجاز القرآن اللغوي ، فلا يمكن أن ندعي أن نص القرآن هو أساس اللغة العربية ثم نقيّمه بها ، فهذا في علم المنطق هو خطأ ما يسمى بالمنطق الدائري ، فكيف يكون القرآن معجز عربيا بقواعد اللغة التي وضعت على أساس القرآن ؟... هذا يدخلنا في معضلة البيضة أم الفرخة ، أيهما يسبق الآخر و يحكم عليه ، القرآن أم اللغة العربية.

المشكلة الثانية : أنه إذا كانت قواعد اللغة العربية قد قيست على مثال القرآن كان يجب أن يكون القرآن ملتزما بالقواعد التي وضعها ، فلا يصح أن ينصب إله القرآن المرفوع في أماكن ثم يرفعه في أماكن أخرى ، أو العكس ، فهل كان إله القرآن عاجزا عن اتباع القواعد التي وضعها هو بنفسه ... ألا يناقد إله القرآن نفسه بذلك

****
الختام:
لم يكن الهدف من هذا البحث هجوما ، وإنما محاولة لتحريك المسلم فيبحث عن المعنى لا الحرف ، ويترك أساطير بلاغة القرآن ، و يبحث فيما وراء الحروف ، فقد ظل عقل المسلم يجاهد ليحيا في أسطورة الاعجاز القرآني اللغوي ، دون أن يفكر في معاني الكلام ، وجوهر النص...

فالدعوة هنا إلى ترك السطح الأسطوري و الدخول إلى العمق ، إلى البحث عن معاني الحب والحرية والحق و الجمال داخل النص إن وجدت ، بدلا من الجري وراء نصوص تبغي زخرف المحسنات البديعية و صحة قواعد النحو دون أن تحققها ، ودون أن نفهم نحن ماهية الرسالة التي تحملها ، هل هي رسالة حق أم ضلال ؟ فالبحث عن حرفية النص لن يحرر الإنسان ، بل الحق وحده هو القادر على تحرير عقل الإنسان وروحه (وتعرفون الحق والحق يحرركم.)

------------------
الهوامش و المراجع:
1) سيرة ابن هشام ج1 ص299-300 : http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=hes1307.htm
2) لقمان 6: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
3) الروض الأنف ج3 ص 93: http://sirah.al-islam.com/Display.asp?f=rwd3060
4) سيرة ابن هشام ج2 ص 576-577: http://sirah.al-islam.com/Display.asp?f=hes2672
5) سيرة ابن هشام ج2 ص72-73: http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=hes2076.htm
6) الأنعام 93: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ ..." حيث يؤكد الطبري في تفسيره أن من قال "أوحي إلى" هو مسيلمة كذاب اليمامة
7) و لذلك نزلت فيه نفس الآية في (الأنعام 93) فهو من قال " سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ" ، و أكد ذلك كلا من الطبري و القرطبي في تفسيريهما للآية ...
بل أن القرطبي ذكر قصة أخرى عن عبد الله بن أبي سرح فيقول:
" عبدالله بن أبي سرح الذي كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد ولحق بالمشركين. وسبب ذلك فيما ذكر المفسرون أنه لما نزلت الآية التي في "المؤمنون": "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" [المؤمنون:12] دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فأملاها عليه؛ فلما انتهى إلى قوله "ثم أنشأناه خلقا آخر" [المؤمنون: 14] عجب عبدالله في تفصيل خلق الإنسان فقال: "تبارك الله أحسن الخالقين" [المؤمنون: 14]. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهكذا أنزلت على) فشك عبدالله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إليه، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال< فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ."
8) حيث يؤكد البغوي في تفسيره أن عائشة وعثمان كانا يعلمان بأخطاء اللغة ويقول:
" "والمقيمين الصلاة" ، اختلفوا في وجه انتصابه ، فحكي عن عائشة /رضي الله عنها وأبان بن عثمان :أنه غلط من الكتاب ينبغي أن يكتب والمقيمون الصلاة وكذلك قوله في سورة المائدة"إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون"(المائدة -62) ، وقوله "إن هذان لساحران"(طه-63) قالوا: ذلك خطأ من الكاتب. وقال عثمان :إن في المصحف لحناً ستقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له : ألا تغيره ؟ فقال : دعوه فإنه لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً."

وفي تفسير فتح القدير تأكيد على هذه الفكرة حيث ينص أنه:
"وحكي عن عائشة أنها سئلت عن المقيمين في هذه الآية [النساء] وعن قوله تعالى "إن هذان لساحران" وعن قوله "والصابئون" في المائدة؟ فقالت:يا ابن أخي الكتاب أخطأوا. أخرجه عنها أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر. وقال أبان بن عثمان كان الكاتب يملي علي فيكتب فكتب "لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون" ثم قال: ما أكتب؟ فقيل له: أكتب "والمقيمين الصلاة" فمن ثم وقع هذا."