من الواضح ان الأستاذ طلال شاكر يتكلم من وجهة نظر اسلامية (دفاعا عن الاسلام) ، و لكن تحت عباءة العلم و المنطق ، و هذا يتضح من استخدامه ضمائر الملكية في آخر مقالته "و هم يطبقون منطوق قراننا و آيته (لكم دينكم و لي دين)" ، و بالتأكيد هو من الاسلاميين الليبراليين ، الذين ينادون بفصل الدين عن الدولة.
طلال شاكر من حقه أن يكون ما يشاء أن يكون ، و هذا حقه الانساني الذي لا جدال فيه ، و لكن ليس من حقة أن يتجاهل أو يتعامى عن المنطق الذي يتعامل به القمص زكريا بطرس في نقد الاسلام. فقد إدعي الاستاذ طلال أن القمص زكريا يستخدم أدوات العلم و المنطق لتفكيك المنظومة الاسلامية ، و لكنه لا يستطيع أن يمارس نفس قوانين المنطق على الثقافة أو المنظومة المسيحية ، و في هذا هو كان يعني أدوات العلم الطبيعي التي تنكر ما وراء الطبيعة، و هذا ما لم يدعيه القمص زكريا، فتطبيق أدوات العلم الطبيعي ، و التي تفسر كل شئ في اطار القوانين الطبيعية، لا يكمن أن تثبت أو تنفي وجود الله أو الروح أو أي ظاهرة مما وراء الطبيعة .
و لست هنا في صدد الدفاع عن الظواهر الفوق طبيعية ، و لكنني هنا أوضح أن القمص زكريا ، و أنا متابع جيد لمعظم حلقاته في برنامج أسئلة عن الايمان بقناة الحياة، لم يدعي أو ينكر حق الاسلام في إدعاء الظواهر فوق الطبيعية ، و لكنه يحلل الاسلام من منطق التناقد الداخلي المنطقي. و هذا يعنى أنه لا يمكن للاسلام أن يدعي شيئين متناقضين في آن واحد،و هذا القانون المنطقي المعروف هو الوسيلة الوحيدة لنقد أي أيديولوجية إيمانية لا تخضع لقوانين المنطق الطبيعي، و الأمثلة على ذلك كثيرة. و هنا أسوق ثلاثة أمثلة للتناقضات الاساسية في المنظومة الاسلامية وهي تتعلق بالقرآن :
التناقض الاساسي الاول:
كيف يمكن أن يكون القرآن " قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ " (البروج 21،22)، و مع ذلك يحتوي على كم هائل من الناسخ و المنسوخ ، ما نسخ حكمه فقط ، او تلاوته فقط ، أو كلاهما معا . و السؤال المنطقي هو ما هي النسخة المحفوظة في السموات؟ ، هل هي النسخة قبل النسخ أم بعد النسخ؟ ، أم كلاهما؟ . و ماذا عما أنساه الله للرسول "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا" (البقرة 106)، هل ما هو في اللوح المحفوظ مما قبل أم بعد النسيان ، و ماذا عما فقد من القرآن ، و ما حرق من المصاحف على يد عثمان "راجع كتاب المصاحف للسجستاني" ، و ماذا عما أضيف من تشكيل أو نقاط لم تكن موجودة في القرائين القديمة.
التناقض الاساسي الثاني:
كيف يكون القرآن بلسان عربي مبين (النحل 103، الشعراء 195) و مع ذلك ملئ بالكلمات السريانية و الأعجمية و التي أبسطها كلمة "إنجيل" و التي تعني بالعربية بشارة أو بشرى ، ثم كيف يكون "مبين" و هو ملغز بحروف في فواتح السور مثل ألم ، ألمص، ألر.. إلى آخره من الحروف التي لا تحمل أي معنى للإبانة أو البيان، و التي احتار فيها المفسرون و لم يجدوا بدا من القول الضمني ان "المعنى في بطن الشاعر" و هو هنا إله الاسلام.
التناقض الاساسي الثالث:
كيف يمكن أن يكون القرآن هو الكلمة الحرفية لله ، و من ينظر إلى سورة الفاتحة يجد أن المتكلم بلا شك هو المؤمنون و ليس الله: "إهدنا الصرات المستقيم .. إياك نعبد و إياك نستعين" ، و الغريب أنه في بعض المواقف المشابهة كان الكاتب القرآني يتخلص من المشكلة بإضافة "و قل .." قبل العبارة المنطوقة على لسان آخر، و لكن من الواضح أنه لم يسعفه الوقت أو العقل على إضافة "و قل .." أو "قالوا..." قبل الكثير من الاجزاء في القرآن. و هنا تضع المنظومة الاسلامية نفسها في مأزق. فهي تدعي ، ان القرآن هو إملاء حرفي من الله إلى جبريل و منه إلى محمد ، ولذلك كان من المنطقي أن يكون المتكلم هو الله في كل القرآن، و هذا مع الاسف لا ينطبق على الكثير من آى القرآن.
من الامثلة القليلة التي سقتها يتضح أن التناقض الداخلي للمنظومة الاسلامية يجعل العقل قبل القلب يرفضها، و أنا هنا لم أذكر أي من الأدلة العلمية أو المنطق العلمي الطبيعي ، و أنما طبقت قانون عام من قوانين المنطق ، و التي تنطبق على الطبيعي و فوق الطبيعي . لابد من الا تتعارض المنظومة الايمانية مع أساسيات قواعد المنطق. كما لا يكمن أن يقول "س" من الناس أن كل كلامه كذب ، فهذا يعنى أن الحقيقة التي يقولها "من أن كل كلامه كذب هي ذاتها كاذبة" و هذا لا يستوي و المنطق.
كل هذا ولا نستطيع أن ننفي المشاكل الجسيمة الاخرى في المنظومة الاسلامية ، من تناقضات معلوماتية عن عدد أيام الخلق ، أو غروب الشمس في بئر من الطين (الكهف 86)، أو ما تضعه فكرة الناسخ و المنسوخ من عبء ثقيل على مبرري سماحة الاسلام و أنه دين التسامح و السلام. و الذين يستخدمون نفس الآية التي ذكرتها في آخر مقالتك "لكم دينكم و لي دين" و التي نسخت بآيات السيف مثل (التوبة 5، 29) ، و التي تنفي أي مساحة من التسامح أو قبول الآخر في الإسلام.
هذا أيضا ناهيك عن الأقوال الهلامية التي تشير إلى حقوق المرأة في الاسلام ، و هي في صحيح الحديث مساوية للحمار و الكلب (مسند أحمد : 20414، سنن بن ماجة: 942). و الكثير مما لا يكفي مقال واحد لذكره، من التناقضات الاخلاقية و التاريخية و خلافه.
و هذا يقودنا إلى ان القمص زكريا بطرس لم يهاجم الظواهر الإيمانية من وجهة نظر العلمية التجريبية الطبيعية و لكن من وجهة النظر المنطقية و التي تقيم المنظومة من داخلها بشرح التناقضات الداخلية، و هذا كما قلت ينطبق على الطبيعي و الخارق للطبيعة. بالتاكيد هنا الكثير من المعجزات و الاعمال الخارقة للسيد المسيح "الذي أؤمن به" ولا أختبئ وراء سواتر الحيادية العلمية و المنطقية كما فعلت سيادتكم. و هذه الظواهر الخارقة حدثت و مازالت تحدث على أيدي المؤمنين من المبشرين المسيحيين ، و لم يستطع العلم التجريبي أن يقترب منها أو يحللها لأنها و ببساطة خارج نطاق التجارب المعملية حتى يومنا هذا على الأقل. و أستطيع أن اؤكد أيضا أن المعجزة في المسيحية لم و لن تكون بهدف إثبات المسيحية أو إقناع الآخر، و لكنها بهدف إنقاذ الآخرمن ضيق أو مرض . و لذلك تستطيع أن تقول أنها معجزة مسببة أو هادفة و ليس من أجل استعراض العضلات. و لكنني أستطيع أن أؤكد لسيادتكم أن التناقض الداخلي لا وجود له في المنظومتين اليهودية و المسيحية كما هو ظاهر في الإسلام. و ارجو قبول اعتذاري إذا كان الكلام يمس عقيدة أو يجرح شعور، و لكن السيد المسيح قال :"تعرفون الحق و الحق يحرركم" و ليس أنبل من تحطم أصنام كاذبة لتحرر الآخر من قيود شيطانية.
الأربعاء، ٢٠ يونيو ٢٠٠٧
عن القمص زكريا بطرس.. و التناقد الداخلي للإسلام
at ١١:٢٥ م
Labels: إسلاميات عامة